. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ» .
وَبِخَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقُولُ، وَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ لَا سَبِيلَ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ انْتَهَى.
وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ التَّخْصِيصَ إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى، وَالصَّحِيحُ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَأَذِّيهِمْ بِالْحَرِّ فِي طَرِيقِهِمْ فَقَدْ تَكُونُ الْعِلَّةُ مَا يَجِدُونَهُ مِنْ حَرِّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِهِمْ فِي حَالَةِ السُّجُودِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّهَائِرِ جَلَسْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ» وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ سَجَدْنَا بَدَلَ جَلَسْنَا، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «كُنْت أُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَآخُذُ قَبْضَةً مِنْ الْحَصَى لِتَبْرُدَ فِي كَفِّي أَضَعُهَا لِجَبْهَتِي أَسْجُدُ عَلَيْهَا لِشِدَّةِ الْحَرِّ» وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحِ «، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» .
فَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَلَمْ نَجِدْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ شَكَوْا مَشَقَّةَ الْمَسَافَةِ وَلَا بُعْدَ الطَّرِيقِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وَقْتٌ يَفُوحُ فِيهِ حَرُّ جَهَنَّمَ وَلَهِيبُهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» .
وَكَوْنُهَا سَاعَةً يَفُوحُ فِيهَا لَهَبُ جَهَنَّمَ وَحَرُّهَا يَقْتَضِي الْكَفَّ عَنْ الصَّلَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، فَإِذَا اعْتَدَلَ النَّهَارُ فَأَقْصِرْ يَعْنِي عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُسْجَرُ فِيهَا جَهَنَّمُ.
(الثَّالِثَةُ) وَاَلَّذِينَ لَمْ يَسْتَحِبُّوا الْإِبْرَادَ مُطْلَقًا أَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ صَلُّوهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَخْذًا مِنْ بَرْدِ النَّهَارِ وَهُوَ أَوَّلُهُ.
وَيُبْطِلُ هَذَا قَوْلُهُ: «فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ آخِرِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَائِدَةِ قَبْلَهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْرَادِ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتِ الْبَرْدِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَمَنْ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ عَلَى بَرْدِ النَّهَارِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ جُمْلَةِ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَحِبُّوا الْإِبْرَادَ مُطْلَقًا بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَبِحَدِيثِ خَبَّابُ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا» .
وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فَنُقَدِّمُ عَلَيْهَا هَذَا الْحَدِيثَ لِخُصُوصِهِ، وَعَنْ حَدِيثِ خَبَّابُ مِنْ أَوْجُهٍ:
(أَحَدُهَا) أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُجِبْهُمْ لِمَا سَأَلُوا وَتَرَكَ شَكْوَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُؤَخِّرُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّهُ