للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

يَكُونَ مَمْنُوعًا فَيُصَلِّيَ وَيَجْزِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» .

قَالَ وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ وَالْوَعِيدُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي كَبِيرَةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَنَسٍ كَانَ أَحَدُنَا يُلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ وَقَدَمَهُ بِقَدَمِهِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ قَالَ هَذَا إجْمَاعٌ مِنْهُمْ ثُمَّ قَالَ وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ السَّلَفُ الطَّيِّبُ رَوَيْنَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ كُنْت فِيمَنْ ضَرَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَدَمَهُ لِإِقَامَةِ الصَّفِّ فِي الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ مَا كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَضْرِبَ أَحَدًا وَيَسْتَبِيحَ بَشَرَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ فَرْضٍ ثُمَّ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ بَعَثَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَجُلًا لِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَتَّى يُخْبِرُوهُ بِاسْتِوَائِهَا ثُمَّ قَالَ: فَهَذَا فِعْلُ الْخَلِيفَتَيْنِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ثُمَّ حَكَى عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ كَانَ بِلَالٌ هُوَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ أَقْدَامَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيُسَوِّي مَنَاكِبَنَا.

ثُمَّ قَالَ فَهَذَا بِلَالٌ مَا كَانَ لِيَضْرِبَ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ ثُمَّ حَكَى قَوْلَهُمْ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَتُنْكِرُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا، إلَّا أَنَّكُمْ لَا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ الْمُبَاحُ لَيْسَ مُنْكَرًا انْتَهَى.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ بِكَلَامِ أَنَسٍ هَذَا عَلَى الْوُجُوبِ فَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي صَحِيحِهِ، بَابَ إثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا الْوَعِيدُ يَعْنِي الَّذِي فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ لَا يَكُونُ إلَّا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ وَهَذَا كَانَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ سَمَحَ فِي ذَلِكَ. اهـ (الثَّالِثَةُ) ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى إقَامَةِ الصَّفِّ أُمُورًا:

(أَحَدُهَا) حُصُولُ الِاسْتِقَامَةِ وَالِاعْتِدَالِ ظَاهِرٌ كَمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ بَاطِنًا.

(ثَانِيهَا) لِئَلَّا يَتَخَلَّلَهُمْ الشَّيْطَانُ فَيُفْسِدَ صَلَاتَهُمْ بِالْوَسْوَسَةِ كَمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ.

(ثَالِثُهَا) مَا فِي ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ الْهَيْئَةِ.

(رَابِعُهَا) أَنَّ فِي ذَلِكَ تَمَكُّنَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَعَ كَثْرَةِ جَمْعِهِمْ فَإِذَا تَرَاصُّوا وَسِعَ جَمِيعَهُمْ الْمَسْجِدُ وَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ ضَاقَ عَنْهُمْ.

(خَامِسُهَا) أَنْ لَا يَشْغَلَ بَعْضُهُمَا بَعْضًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يَشْغَلُهُ مِنْهُ إذَا كَانُوا مُخْتَلِفِينَ وَإِذَا اصْطَفُّوا غَابَتْ وُجُوهُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَكَثِيرٌ مِنْ حَرَكَاتِهِمْ وَإِنَّمَا يَلِي بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ظُهُورَهُمْ (الرَّابِعَةُ) وَجْهُ إيرَادِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ الصُّفُوفَ إنَّمَا تَحْصُلُ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ بِالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ فَهِيَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْإِمَامَةِ وَأَيْضًا فَتَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامَةِ.

وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إلَى نَاحِيَةٍ يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا وَيَقُولُ لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ» .

وَرُوِيَ عَنْ كُلٍّ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالًا يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ فَإِذَا أَخْبَرُوهُ بِتَسْوِيَتِهَا كَبَّرَ» وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَعَاهَدُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيَقُولُ تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ تَأَخَّرْ يَا فُلَانُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>