. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
وَقَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ سَبْقُهُمْ بِالْقَبُولِ وَالطَّاعَةِ الَّتِي حُرِمُوهَا وَقَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَصَحَّ وَصْفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْآخِرِيَّةِ وَالسَّبْقِ بِاعْتِبَارَيْنِ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الِاعْتِبَارُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَنَافٍ فَإِنْ قُلْت كَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ آخِرَ الْأُمَمِ أَمْرٌ وَاضِحٌ فَمَا فَائِدَةُ الْإِخْبَارِ بِهِ؟ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذُكِرَ تَوْطِئَةً لِوَصْفِهِمْ بِالسَّبْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنَّهُ لَا يُتَخَيَّلُ مِنْ تَأَخُّرِهِمْ فِي الزَّمَنِ تَأَخُّرُهُمْ فِي الْحُظُوظِ الْأُخْرَوِيَّةِ بَلْ سَابِقُونَ فِيهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُمْ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَنَّ شَرِيعَتَهُمْ بَاقِيَةٌ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ مَا دَامَ التَّكْلِيفُ مَوْجُودًا فَسَائِرُ الْأُمَمِ وَإِنْ سَبَقُوا لَكِنْ انْقَطَعَتْ شَرَائِعُهُمْ وَنُسِخَتْ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ شَرِيعَتَهَا بَاقِيَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي وَصْفِهِمْ بِالْآخِرِيَّةِ شَرَفٌ كَمَا أَنَّ فِي وَصْفِهِمْ بِالسَّبْقِ شَرَفًا وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ ذِكْرُهُ مُجَرَّدَ تَوْطِئَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ بَيْدَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهَا مَيْدَ بِالْمِيمِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بِمَعْنَى غَيْرَ وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ فِي الصِّحَاحِ وَقَالَ يُقَالُ هُوَ كَثِيرُ الْمَالِ بَيْدَ أَنَّهُ بَخِيلٌ وَذَكَرَ فِي الْمُحْكَمِ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ السِّكِّيتِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنَى عَلَى حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَوَّلُ أَعْلَى وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا بِمَعْنَى إلَّا ثُمَّ قَالَ وَقَدْ تَأْتِي بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَعِيدٌ انْتَهَى وَأَنْشَدُوا عَلَى مَجِيئِهَا بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ قَوْلَ الشَّاعِرِ
عَمْدًا فَعَلْت ذَاكَ بَيْدَ أَنِّي ... أَخَافُ إنْ هَلَكْت أَنْ تَزِنِّي
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ أَنَّ بَيْدَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ» بِمَعْنَى غَيْرَ مِثْلُ قَوْلِهِ
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا اسْتَبْعَدَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَوْنَ بَيْدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي نَشْرَحُهُ بِمَعْنَى مِنْ أَجْلِ لِتَعَلُّقِهِ بِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ السَّابِقُونَ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ سَبْقِنَا كَوْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَيَتَّحِدُ فِي الْمَعْنَى كَوْنُهَا بِمَعْنَى غَيْرَ وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى عَلَى وَكَوْنُهَا بِمَعْنَى إلَّا أَمَّا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute