للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[طرح التثريب]

لَعَمِلْت بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْت فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ»

وَذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الْحَسَدَ الْحَقِيقِيَّ الَّذِي هُوَ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ الْغَيْرِ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَذْمُومٍ بَلْ مَحْمُودٌ مِثْلُ أَنْ يَتَمَنَّى زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ الْكَافِرِ أَوْ عَمَّنْ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا غِبْطَةَ أَعْظَمَ أَوْ أَفْضَلَ مِنْ الْغِبْطَةِ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ (قُلْت) فَكَأَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لِعِظَمِ الْغِبْطَةِ فِيهِمَا بُولِغَ فِي شَأْنِهِمَا حَتَّى نُفِيَتْ الْغِبْطَةُ عَمَّا سِوَاهُمَا كَأَنَّ الْغِبْطَةَ فِي غَيْرِهِمَا لَيْسَتْ غِبْطَةً بِالنِّسْبَةِ لِعِظَمِ الْغِبْطَةِ فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

{الثَّالِثَةُ} قَوْلُهُ «رَجُلٌ» مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُمَا خَصْلَةَ «رَجُلٍ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا» ثُمَّ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ.

{الرَّابِعَةُ} قَوْلُهُ «فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ» يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقِيَامِ بِهِ تِلَاوَتَهُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَهُوَ يَتْلُوهُ مِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ وَآنَاءِ النَّهَارِ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقِيَامِ بِهِ تَفَهُّمُهُ وَالِاسْتِنْبَاطُ مِنْهُ وَالتَّفَقُّهُ فِيهِ وَتَعْلِيمُهُ لِلنَّاسِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْحِكْمَةُ كُلُّ مَا مَنَعَ مِنْ الْجَهْلِ وَزَجَرَ عَنْ الْقَبِيحِ اهـ.

عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَهُوَ يَتْلُوهُ» مَعْنَاهُ يَتْبَعُهُ مِنْ التُّلُوِّ لَا مِنْ التِّلَاوَةِ، وَقَدْ ذُكِرَ الِاحْتِمَالَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل: ٩٢] وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ بِهِ الْأَمْرَانِ تِلَاوَتُهُ وَالتَّفَقُّهُ فِيهِ وَتَعْلِيمُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ قِيَامٌ بِهِ، وَقَدْ قَامَ عَلَى إرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا دَلِيلٌ وَهَذَا أَظْهَرُ وَالِاشْتِغَالُ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالتِّلَاوَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

{الْخَامِسَةُ} وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَجْعَلَ تَعْلِيمَهُ لِلنَّاسِ دَاخِلًا فِي الْقِيَامِ بِهِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا بِهِ أَمْ يَدْخُلُ فِيهِ تَعْلِيمٌ بِأُجْرَةٍ أَيْضًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا مَعْنَاهُ يَعْمَلُ بِهَا وَيُعَلِّمُهَا احْتِسَابًا.

{السَّادِسَةُ} وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا الْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ بِهِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ احْتِسَابًا، وَقَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ عَلَى حَدِيثِ

<<  <  ج: ص:  >  >>