٤١٨٧ - وعن أنس، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مقعيا يأكل تمرا. وفي رواية يأكل منه أكلا ذريعا. رواه مسلم.
ــ
قوله:((وهل من نبي إلا رعاها)) ((خط)): يريد أن الله تعالى لم يضع النبوة في أبناء الدنيا وملوكها، لكن في رعاء الشاء وأهل التواضع من أصحاب الحرف، كما روى أن أيوب كان خياطا وزكريا كان نجارا. وقد قص الله تعالى من نبأ موسى وكونه أجيرا لشعيب في رعي الغنم ما قص.
((مح)): فيه فضيلة رعي الغنم قالوا: والحكمة في رعاية الأنبياء لها؛ ليأخذوا أنفسهم بالتواضع وتصفي قلوبهم بالخلوة، ويترقوا من سياستها بالنصيحة إلى سياسة أممهم بالهداية والشفقة. روى الشيخ أبو القاسم في التخيير: أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام، فقال له: تدري لم رزقتك النبوة؟ فقال: يا رب أنت أعلم به، فقال: تذكر اليوم الذي كنت ترعى الغنم بالموضع الفلاني فهربت شاة، فعدوت خلفها فلما لحقتها لم تضربها وقلت: أتعبتني وأتعبت نفسك، فحين رأيت منك تلك الشفقة على ذلك الحيوان رزقتك النبوة.
((مظ)): يعني أكنت ترعى الغنم حتى عرفت أطيب الكباث؟ لأن راعي الغنم يكثر تردده تحت الأشجار.
الحديث السادس والعشرون عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((مقعيا)) أي جالسا على أليتيه ناصبا ساقيه، وهو في معنى الحديث الآخر في صحيح البخاري:((لا آكل متكئا)) على ما فسره الإمام الخطابي، يعني لا آكل أكل من يريد الاستكثار من الطعام ويقعد له متمكنا، بل أقعد مستوفزا وآكل قليلا. وقوله:((أكلا ذريعا)) مستعجلا وكان استعجاله لاستيفائه لأمر أهم من ذلك، فأسرع في الأكل ليقضي حاجته منه ويرد الجوعة ثم يذهب في ذلك الشغل.
الحديث السابع والعشرون عن ابن عمر: قوله: ((حتى يستأذن أصحابه)) ((حس)): فيه دليل على جواز المناهدة في الطعام وهي أن يخرجوا نفقاتهم على قدر عدد الرفقة، وكان المسلمون لا يرون بها بأسا، وإن تفاوتوا في الأكل عادة، إذا لم يقصد مغالبة صاحبه. ((مظ)): إنما جاء النهي عن القران لعلة معلومة، وهي ما كان القوم فيه من شدة العيش وضيق المقام. فأما اليوم مع اتساع الحال فلا حاجة إلى الإذن.
((مح)): وليس كما قال الخطابي، بل الصواب التفصيل كما سنذكره؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لو ثبت، فكيف وهو غير ثابت؟، وذلك أن الطعام إذا كان مشتركا بينهم فالإقران حرام إلا برضاهم إما تصريحا منهم أو ظنا قويا منهم، وإن شك فيه فهو حرام، وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به فلا يحرم عليه القران. ثم إن كان في الطعام قلة فلا يحسن القران بل يساويهم. وإن كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس به، لكن الأدب مطلقا التأدب في الأكل وترك الشره إلا أن يكون مستعجلا كما سبق.