وذكر الثلاث جرى على الغالب؛ لأن الغالب أنه لا يحصل الوقوف على التصرية فيما دون الثلاث؛ إذ يحمل النقصان الذي يجده المشتري على اختلاف العلف فيبدل الأيدي والمكان ونحوها، فعلى هذا لو عرف التصرية قبل الثلاث فالخيار على الفور، وعلى الأول: يمتد إلى آخر الثلاث؛ ولو عرفها في آخر الثلاثة أو بعد انقضائها، فعلى الأول: لا خيار له، وعلى الثاني: يثبت ويكون على الفور.
ثم إن ظهرت التصرية قبل الحلب رد المصراة بحالتها ولا شيء عليه، وإن ظهرت بعد الحلب واللبن باق فلا يكلف المشتري برده معها؛ لأن ما حدث بعد البيع ملك له وقد اختلطا وتعذر التميز، وحينئذٍ فيكون الحكم كما لو تلف.
وإن أراد رده فالظاهر أنه لا يكلف البائع أخذه لذهاب طراءته، وإن كان اللبن تالفًا ردَّ معها صاعًا من برّ، والأظهر عند الأصحاب: أنه يتعين التمر ولا معدل عنه، واحتج له بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا سمراء" أي: لا يعطي غير التمر، والسمراء: الحنطة، فإن رضي البائع بغير التمر؛ فالأظهر: الجواز، والظاهر أن الواجب صاع قلَّ اللبن أو كثر.
والمعنى فيه أن اللبن الموجود عند البيع يختلط بالحادث بعده ويتعذَّر التمييز، وقد يتنازع المتبايعان في القدر الموجود وحينئذ فتولى الشارع تعيين بدل له قطعًا للخصومة بينهما، كما جعل دية النفس مائة من الإبل مع اختلاف أحوال النفوس في القوة والضعف والأخلاق والأوصاف، وسوى بين الأصابع في الدية مع اختلاف منافعها، وأوجب الغرة في الجنين مع اختلاف الأجنة ذكورة وأنوثة، والأرش في الموضحة مع اختلافها في الصغر والكبر.