واختلفوا في الرواح: قيل الرواح لا يكون إلا بعد الزوال، يقال: غدا الرجل لحَاجَةِ كذا إذا خرج لها في صدر النهار، وراح لها إذا خرج في النصف الثاني من النهار، وعلى هذا فالمراد من الساعات لحظات لطيفة بعد الزوال، كما يقال: رأيت فلانًا ساعةً وكلمته ساعة ويراد اللحظة اللطيفة، ويروى هذا عن مالك، وقيل -وهو الأظهر- لا يختص ذلك بما بعد الزوال وإن كان الرواح في الأصل لذلك، بل يقال: راح القوم إذا ساروا في أي وقت كان.
وذكر بعضهم أن تسميته قبل الزوال رواحًا سببها: أنه يخرج لأمر يؤتى به بعد الزوال، وفرّعُوا على قولنا:"أنه لا يختص ذلك بما بعد الزوال" شيئين:
أحدهما: أن الساعات المذكورة من أوّل طلوع الفجر تعتبر، أو من أول طلوع الشمس، وفيه وجهان عن الأصحاب أظهرهما:
الأول: فإن النهار يحتسب من طلوع الفجر شرعًا.
والثاني: قيل المراد أن الجائين يتقاربون في الفضيلة والثواب، وليس المراد الساعات التي يدور عليها حساب الليل والنهار؛ لأنه لو أريدت تلك الساعات لكان الجائيان في الساعة الواحدة على مرتبة واحدة من الفضل مع تلاحقهما وتعاقبهما وهذا بعيد، ويجوز أن يقال: يشتركان في الفضيلة المذكورة ويختص السابق بمزيد يعطيه الله -تعالى.
وقوله:"فكأنما قرب بدنة ... وبقرة ... " من قولهم: قرب قربانًا، والقربان: ما يقرب به إلى الله تعالى، وفي إضافة اللفظ إلى الدجاجة والبيضة ما يبين أن التقريب لا يختص بما يصلح للتضحية.
وقوله:"يستمعون الذكر" أي: الخطبة على ما هو مبين في الحديث الأول.