للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعل خير منك، وأغض طرفًا، وأقل فحشًا، وأجود يدًا، وأحمى لحقيقته. وما مر علي يوم منذ كنت عندك إلا والموت أحب إلي من الحياة بين قومك. لأني لم أكن أشاء أن أسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمة عروة كذا وكذا، إلا سمعته. ووالله لا أنظر في وجه غطفانية أبدًا. فارجع راشدًا إلى ولدك وأحسن إليهم».

وأحسب أن لو كان عروة صعلوكًا حقًا، لا نتبذ بامرأته هذه مكانًا قصيًا عن قومه، وإذن لأغناها عن أن تسمع أذاة الغطفانيات لها. ولقد كانت لكونها من كنانة ترى نفسها لا يفضلها من العرب إلا قُرشية، على شك منها في ذلك، فكيف تراها تحس وقد ألفت نفسها أمة في البدو بأرض الشربة بين عبس وذبيان؟

وأوضح في الذي نظنه من تناقض عروة قصته مع أصحاب الكنيف كما سماهم. فهؤلاء جماعة من الصعاليك قد مولهم وجهزهم وأغار بهم، وظفر وهو معهم بمائة من الإبل وسبى امرأة بارعة الجمال. فلما جاءت القسمة أراد أن يجُور المرأة في نصيبه فأبوا ذلك عليه إلا أن يدخلها في أسهم الغنيمة. فنزل لهم عن نصيبه من الإبل ثم طلب منهم راحلة يحملها عليها فأبوا ذلك عليه. فحز ذلك في نفسه ونظم كلمات يذكر هذا من عقوقهم منها لأميته:

ألا إن أصحاب الكنيف وجدتهم ... كما الناس لما أخصبوا وتمولوا

وإنما أُتي عروة من حيث إنه ظن إنهم سيسلمون إليه السيادة من أجل تمويله، وتجهيزه لهم. ونسي إن مذهبهم في الصعلكة لا يقبل إلا محض المساواة.

على أن صنيع عروة هذا على ما كان من تناقضه كان في بابه روما صادقًا للطلاقة والحرية. وقد روي عن عبد الملك بن مروان أنه كان يفضل عروة على حاتم في الكرم. وعن الحطيئة أنه كان شاعر عبس، ففضله كما ترى على عنترة في الشعر، إذ ذكر أن عنترة كان فارس عبس. وانظر أنساب الأشراف للبلاذري.

<<  <  ج: ص:  >  >>