للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أداة الغزو. وكأنه كان في نفسه يتوق إلى أن يكون من الخلعاء والصعاليك إلا أن ما درب عليه من مذهب الفروسية القبلية والسيادة في بني عبس كان يعدوه عن أن يبلغ إلى حاق الصعلكة. وما كان الصعاليك إلا من ذي الجرائر وخلعاء القبائل. وما كانوا ليرجعوا إلى مأوى يُؤويهم إنما هي الصحراء والدماء، واختلاس العاجل من اللهو. ولقد لقي عروة من تناقضه بين مذهبي القبيلة والصعلكة أيما عنت. من ذلك قصته مع امرأته سلمى الكنانية. قال صاحب الأغاني: «ذكر أبو عمرو الشيباني من خبر عروة بن الورد وسلمى هذه أنه أصاب امرأة من بني كنانة بكرًا يقال لها سلمى، وتكنى أُم وهب، فأعتقها، واتخذها لنفسه، فمكثت عنده بضع عشرة سنة، وولدت له أولادًا، وهو لا يشك في أنها أرغب الناس فيه. وهي تقول له، لو حججت بي فأمر على أهلي وأراهم. فحج بها فأتى مكة. ثم أتى المدينة وكان يخالط من أهل يثرب بني النضير، فيُقرضونه إن احتاج، ويبايعهم إذا غنم. وكان قومها يخالطون بني النضير. فأتوه وهو عندهم. فقالت لهم سلمى إنه خارج بي قبل أن يخرج الشهر الحرام. فتعالوا إليه وأخبروه أنكم تستحون أن تكون امرأة منكم، معروفة النسب، صحيحته، سبية وافتدوني منه فإنه لا يرى أني أفارقه، ولا أختار عليه أحدًا. فأتوه فسقوه الشراب. فلما ثمل قالوا: فادنا بصاحبتنا فإنها وسيطة النسب فينا، معروفة. وإن علينا سُبة أن تكون سبية. فإذا صارت إلينا، وأردت معاودتها فاخطبها إلينا، فانا ننكحك. فقال لهم: ذاك لكم، ولكن لي الشرط في أن تخيروها، فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها، وإن اختاركم انطلقتم بها. قالوا: ذاك لك. قال: دعوني أله بها الليلة وأفاديها غدًا. فلما كان الغد، جاءوه فامتنع من فدائها. فقالوا قد فاديتنا بها منذ البارحة. وشهد عليه بذلك جماعة ممن حضر. فلم يقدر على الامتناع. وفاداها. فلما فادوه بها خيروها. فاختارت أهلها. ثم أقبلت عليه فقالت: «يا عروة أما إني أقول فيك وإن فارقتك الحق. والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على

<<  <  ج: ص:  >  >>