للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنا سمعنا عنهم. هذا والرقة التي في قوله؟ : «إن شأننا قليل الغنى إن كنت لما تمول» من سنخ كلام امرئ القيس وتأتيه. والله تعالى أعلم (١).

هذا وبعد أن آل الملك إلى امرئ القيس، ونهض هو إلى الثأر، أبت له الأيام إلا أن ينزل عن هذه المرتبة إلى غربة ممضة وحرمان أليم. ويعجبني قوله في ذلك:

أبعد الحرث الملك ابن عمرو ... له مُلك العراق إلى عمان

مجاورة بني شمجي بن جرم ... هوان ما علمت من الهوان

ويمنعها بنو شمجي بن جرم ... معيزهم حنانك ذا الحنان

وأبى الناس إلا أن يذكروا له ما كان فيه من خلاعة ويأخذوه به، فسموه الملك الضليل مع أنهم يروون أن ضلاله إنما كان قبل الملك. ولحقته الأساطير إلى بلاد الروم فجعلته يروم من امرأة قيصر أو ابنته نحوًا مما كان يفعل أيام فجوره بنجد، وجعلوا هذه المغامرة منه سببًا في قوله، إذ زعموا أن قيصر كساه حلة مسمومة تناثر منها لحمه.

وقد عمد جماعة من الشعراء على زمان امرئ القيس وبعده عمدا إلى مدح السادة والملوك وتقبل الرفد منهم- من أولئك علقمة بن عبدة صاحب البائية في أحد ملوك غسان، ومنهم المسيب بن علس وأوس بن حجر. وقد عمد النابغة وزهير إلى التكسب بالمدح وقيل إن ذلك مما عيب عليهما ونزل بهما عن مراتب السادة. ولكن الشعراء ما لبثوا أن تبينوا صواب هذا المسلك فأقبلوا عليه كل إقبال. من ذلك ما فعله الأعشى إذ جعل يلتمس أسباب الرحلة إلى كل ماجد يسمع به. وقد يقال إن العمى كان يملي عليه هذا المسلك إذ لم تكن له سبيل إلى حمل السلاح. ولكن ما بال حسان بن ثابت يصنع مثل صنيعه، وكان يكره القتال ويتحرز منه حتى وصم بالجبن؟ وما بال بشر بن أبي خازم، وكان ذا قتال وغارات يقبل عطاء أوس بن حارثة بن لأم


(١) راجع الخزانة-١ - ١٣٠ - إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>