وهذا إنما يتأتى في الأشعار التي ينحو بها أصحابها منحى الخطب ويفترضون فيها أن أبواب الوصايا وفي بعض المديح والهجاء والرثاء. أو قل بلفظ أعم، إن أكثر ما يقع هذا في القصائد اللواتي يربط بين أطرافهن موضوع بياني واحد فتكون الخطابة أنجح في الأداء من طلب الإيحاء.
وأكاد أزعم أن الأشعار التي تقع في هذا الباب يكون أكثرها في المرتبة الثانية من الجودة. إلا أن هذا القول لا يمكن القطع به دائمًا أبدًا إذ الملكات تتفاوت. ومن أرباب الملكات من يصعدون بنحو هذا القول إلى الرتب العليا.
فمن أمثلة الوصايا كلمة يزيد بن الحكم المشهورة:
يا بدر والأمثال يضربها لذي اللب الحكيم
وكلمة عبده بن الطبيب:
أبني إني قد كبرت ورابني ... بصري وفي لمُصلح مُستمتع
وكلمة عبد قيس بن خُفاف البرجمي:
أجبيل إن أباك كارب يومه ... فإذا دُعيت إلى المكارم فاعجل
ومن الحكم التي تجري مجرى الوصايا ميمية معن بن أوس:
وذي رحم قلمت أظفار غيظه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم
ومن أمثلة المدح بائية النابغة:
أتاني أبيت اللعن أنك لُمتني ... وتلك التي أهتم منها وأنصب
وإنما أوردها هكذا لما علمه النعمان من مذهبه في الاعتذار ولا ريب في جودة الكلمة وعلو مرتبتها.