للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإلى هذه الأبيات أشار أبو العلاء المعري في تأئيته السقطية التي مطعلها:

هات الحديث عن الزوراء أوهيتا .... وموقد النار لا تكرى يتكريتا

ليست كنار عدي نار عادية ... باتت تُشب على أيدي مصاليتا

وقد حول أبو العلاء رمز النار من إرادة المرأة إلى إرادة السيف ثم مضى في نعت السيف وبريقه واتخذ ذلك سبيلاً إلى ذكر أصحابه من البدو الفاتكين ومن يحمونه من العقائل الحسان البعيدات المنال. ووقف وقفة طويلة عند حسناء منهن يتعلل بذكراها، ويسلي النفس عن بعد منالها لما يحيط بها من رجالها الغير أهل الفتك أو كما قال:

أروي النياق كأروى النيق يعصمها ... ضرب يظل له السرحان مبهوتًا

ثم كأنه جعل هذه الفاتنة رمزًا لبغداد التي كان يحن إليها، ودون بلوغها الأهوال، من عناء السفر، ووعورة الطريق، وتعرض من يسلكه للخاربين واللصوص. والذي ينظر إلى القصيدة نظرة سطحية يخيل إليه أنها متباينة الأطراف، متعددة الموضوعات. وإنما كان موضوعها واحدًا وهو الشوق إلى بغداد، وسائر ما في القصيدة تصريح أو كناية عن هذا المعنى، ولعل بغداد نفسها قد كانت رمزًا من رموز الشاعر عن نفسه وآماله الممتنعات.

هذا، ومما يدلك على قوة اتصال النار بمعاني الهوى والعشق والمرأة، حتى صارت كأنما تراد لذاتها إذ تذكر في هذا الباب لقوة دلالتها وعظيم اشتمالها على ما يراد من هذه المعاني، قول جميل (١):

أكذبت طرفي أم رأيت بذي الغضى ... لبثنة نارًا فاحبسوا أيها الركب

إلى ضوء نار في القتام كأنها ... من البعد والأهوال جيب بها نقب


(١) الأمالي-٢ - ٢٠٨ - ٢٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>