والسحاب والغمام وثيق الصلة بالسقيا إذ هو مصدرها. والسقيا كأنها أصل قائم بذاته في عبادات الخصوبة القديمة كقيام الأنوثة. وقد نعلم أن البلاد الحارة الكثيرة المطر لا يزال لكهنة السقيا فيها شأن عظيم، فكيف ترى كان شأنهم في بلاد العرب الغالبة الجدب. وما أستبعد أن سقاية بني هاشم قد كانت في أصلها رسمًا دينيًا موصولاً بالسقيا. ثم أن بني هاشم قد عرفوا حتى في الجاهلية بالطهر والصلاح وكان قومهم بما يسقون بهم الغيث. من ذلك ما ذكره أصحاب السير من بركة عبد المطلب وإفاضته الماء على الركب بعد ما كادوا يهلكون من العطش ومن ذلك قول أبي طالب يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن هو ممن دخل في الإسلام، وإنما كان ينافح بحمية السيد والعم والجار:
وحتى في الإسلام قد تبرك سيدنا عمر بسيدنا العباس في استسقائه المشهور، وذلك لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقر السقاية عنده فيما أقره من المآثر القديمة.
هذا والبرق من رموز السقيا وصلته بالسحابة واضحة. وقد قرنه الشعراء بذكر النار كما رأيت في قول النابغة وفي قول القطامي، فاختلطت بعض معانيه بمعانيها.
وهنا يلزمنا التنبيه إلى التمييز بين الرمزية المرادة لمحض الشوق والرمزية المرادة لمحض المرأة. فالرمزية المرادة لمحض المرأة كان أصلها في ما نرى عبادة الأنوثة وخصوبتها، من ذلك رمزية القلوص وربما كان أصلها مقتبسًا من أحوال البيئة، ثم تداخلت الرمزيتان وتفرعت منهما شتى الفروع، وهذا حين نأخذ في الحديث عن رموز الشوق والحنين.