و (من) ههنا بمعنى مكان وبدل في هذه الرواية، أي نحن سبقنا الحمام إلى اتخاذ البيوت بمكة.
وقال كثير عزة:
ونحن بحمد الله نتلو كتابه ... حُلولاً بهذا الخيف خيف المحارم
بحيث الحمام آمنات سواكن ... وتلقى العدو كالولي المُسالم
وفي قوله سواكن دلالة واضحة على معنى السكون والسكينة والوداعة واللطف.
وأحسب أن الرمزية اليسارية الحديثة في الحمامة وغصن الزيتون وهما يرمزان إلى السلام كما تعلم، راجعة في أصلها إلى هذا المعنى الذي قدمنا ذكره من أمن الحمام بالحرم، وإلى أصل هذا المعنى في قصة الحمامة كما روتها التوراة.
وكثير من بغاث اليسارية يحسبون أن رمزية الحمامة من اختراع لينين وماركس وستالين إلى آخر السكباج.
هذا، ولا أستبعد أن تكون قصة التوراة التي بأيدينا نفسها قد استمدت من أصل سامي قديم أقدم من التوراة. وعسى أن يكون العرب قد أخذوا قصتهم من ذلك الأصل السامي القديم، كما أخذتها التوراة. وفي اختلاف قصة العرب اختلافًا يسيرًا عن نص التوراة ما ينبئ شيئًا ما عن استقلال في الرواية.
هذا وغير غائب عنك بعد، ما في قصة سيدنا نوح نفسها من معاني النجاة والأمل والسلامة وتجديد النسل وزكائه ونمائه بعد البلايا والأهوال. فكون الحمامة قد كانت رائدًا له في هذه القصة، مما يدل على أنها ذات صلة قوية جدًا بسائر المعاني التي ترمز إليها القصة مما قد ذكرناه وما يجوز أن يتفرع منه.