للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السودان جاؤوا به من الهواء، إذ كل الأوزان التي يستعملونها من أصول عربية. وفي بقاء هذا الوزن سالمًا بينهم كعهده الأول لا تغيير فيه [إلا استعمال "مفعولن" مكان "مفعولات" أحيانًا وهذا كلا تغيير] ما يقوي حجتنا. واسم هذا الوزن في السودان "الجابودي" من جبد وهي تحريف جبذ [كجذب وزنا ومعنى]. وسمي "الجابودي" لأنه ينشد ويصطف الفتيان والفتيات إزاءهم في صف ثم يتحركون ويتحركن (١) حركات تعتمد على ارتفاع الصدر وهبوطه مصحوبًا ذلك بالتصفيق بالأيدي مشالة حتى تصير أمام الراقص الموازي، وكأن الصفين -وهما يفعلان ذلك- يتجابذان ثوبًا هفهافًا.

وهاك مثالا منه كما هو العامية السودانية:

زرع الخريف القايم ... ما فيه ريد بهايم

ضلل يا غيم للزول السارح صايم (٢)

وكثيرًا ما يستعمل هذا الوزن في أناشيد الحماسة. فلعل هذا يقوى عندك ما قلناه بدءًا من ارتباط الغزل بالحرب عند البدويين.


(١) هذا الرقص في البادية ولا يوجد في الحضر إلا أن يكون محاكاة.
(٢) معنى هذا الكلام: يا نبت الخريف الذي لما يرعه. أناديه ولكن لا يسمع، فيا أيها الغيم أظل بسترك هذا الإنسان الحبيب السارح في هجير التبتل، الصائم عن الغرام ولما يذق حلواءه.
كنت يزرع الخريف عن الحبيب، والخريف موسم المطر في السودان وفيه تتشقق الأرض الغبراء عن النبات ريد: من راد يرود، أي ليست فيه بهائم ترعى. و"ريد" مستعملة بكثرة في القرى السودانية، وكثيرًا ما تحذف ياؤها. وضلل: ظلل، وبعض البدو ينطقها ظاء على الأصل. الزول: الإنسان وهي فصيحة، وأهل الشام يقولون "الزلمة". صايم: مرادها: عزب متبتل لم يعرف الحب والنساء (وهذا النشيد قالته امرأة في فتى تحبه).

<<  <  ج: ص:  >  >>