أحد. فليصبر لها. ومع الصبر، لو قد تستقيم سبيله، الحكمة:
فمن يلق خيرًا يحمد الناس أمره ... ومن يغو لا يعدم على الغيِّ لائما
وكأنه بهذه الحكمة يريد أن يهوّن من شأن الجرم، بزعمه أن الذي فعله مما يفعله كثير أمثاله فلا يئولون إلى ما آله. وعسى أن يكون غيره وصل إلى فاطمة ثم دل آخر عليها- وهو بعد ناعم قرير عين لم تهجره. فلماذا يشقى هو دون سائر هؤلاء؟
ولا يخفى أن في هذا التهوين لونًا من الاعتذار لعمرو صديقه الذي حلف. وعسى أن يكون عمرو، عندما عاتبه هو، أجابه بمثل هذه المقالة، واحتقر «حساسيته» وهون لديه أمر فاطمة وابنة العجلان جميعًا.
ولكن الأمر أن فاطمة قد وضعته من قلبها موضعًا لم تضعه غيره، وقد كان يعلم هذا. ثم إنه قد كان يحبها وقد تحقق الآن حبها- وهذا يفرقه عن سائر الناس. فليس شأنه فقط أنه قد غوى «ومن يغو لا يعدم على الغي لائما». ولكن شأنه أنه قد جاء الإد الذي لا يغفر. قال:
ألم تر أن المرء يجذم كفه ... ويجشم من لوم الصديق المجاشما
والندم وجذم الكف ولوم الصديق الذي حمل نفسه عليه حملاً وتجشمه بدافع الأسف تجشمًا، وما كان بعد ذلك من معاداته وهجرانه مليًّا، كل ذلك مما قد ينزل بعض منزلة التكفير ولكنه من بعد ليس بذي جدوى ولا غناء.
أمن حلمٍ أصبحت تنكت واجما ... وقد تعترى الأحلام من كان نائما
أجل. ولكنه ليس بنائم. وهنا يصح لنا أن نرجع إلى المطلع.
ألا يا اسلمي لا صرم لي اليوم فاطما ... ولا أبدًا مادام وصلك دائما
وبعد فلعلك أيها القارئ الكريم قد رأيت في هذا المثال الثالث ما نراه من