وهذا صدق ولكنها ستعرض عنه وتحمله على المبالغة الباردة بعد الذي كان.
وهنا يحتج أشد الاحتجاج على هذا الإعراض منها حتى ليوشك أن يدنو من البغض لها:
متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله ... ويعبد عليه لا محالة ظالما
ويعبد أي يغضب وبه فسر بعضهم قوله تعالى {فَأنَا أَوَل العَابِدِين} وهو ليس بقوى في التفسير، والراجح أن العبد فيه إشعار بما يكون من غضب العبيد لا العباد أنبياء الله الطاهرين، إذ العبد فيه معنى الأنفة وفيه معنى الإحنة، وأشبه شيء أن يكون أصله من غضب العبد أنفةً لنفسه وخنزوانةً مما يصيبه بعضه من سيده.
أي إذ قد صح الود فإن الصرم ظلم. وأن الأنفة لا تكون من الخليل إلى الخليل، وذلك إن شاءه مثلك، وأنت مما يشاء ولا يستكره، فهو أظلم أي ظلم.
ويحتمل البيت أيضًا معنى التعريض المر بما كان من عمرو بن جناب، هذا الذي ظنه هو ذا ودٍ، وإذا به يشاء أن يصنع ما يكون معه الصرم، وإذا به يحلف ويأنف كأنفة العبيد حسدًا منه لينال جانبًا مما كان يتاح له هو فينال.
والوجهان معًا يحتملهما البيت، يكون أحدهما جوهر معناه والآخر ظلاً له. ومما يدلك على التعريض بما صنع عمرو قوله بعد:
وآلى جنابٌ حلفةً فأطعته ... فنفسك ولٍّ اللوم إن كنت لائما
قال هذا حين أدرك أن هذه الصلاة التي يصليها لفاطمة من رجاء واستعطاف واستجداء ليست بما يكون وراءه طائل. وأقبل على نفسه الآثمة يلحاها- هذه النفس الضعيفة التي خالت عمرًا ذا ودٍ فلانت له من أجل حلفة يحلفها، وماذا كان يضير المرقش إن لم يأبه لحلفه، وماذا كان يضيره لو صارمه فلم يعد بينهما إلا المعاداة الصارحة أخرى الليالي. لقد خار وانهار وجبن وخزى، فالملامة واقعة به هو دون كل