والقاتل هنا كما ترى هو الرجل وهو أمير فارسي، والمقتولة هي المرأة وهي أميرة عربية. وقد قتل أباها من قبل فهذا بمنزلة سبائها. وقد كانت بتنظفها وتنعمها قبل أن يقتل أبوها بكيدها وبعده كأنها إنما تعد نفسها لتملك، على خلاف ما كانت عليه حال الزباء من طول الحداد وشعثه، «لا من عدم المواس، ولا قلة أواس ولكن شيمة من أناس». وكأن العرب بعد أن نظفت ابنة الساطرون وهيأتها غارت من أن ينالها الأعجمي شاهبور، فجعلت الموت يسبقه إليها. وغيرة العرب وأنفتها من خيانتها ظاهرة، في هذا العقاب الفظيع الذي أوقعته بها.
وفي القصة بعد ما ترى من الامتناع الجنسي مع التهالك إلى اللوعة وطلب الوصل على وجه من جنون العشق لا يخلو من مدخل روحاني مجازف مستشهد. وهذا يوحي بعطف على الفتاة أو يكاد.
ولا يخفى عليك بعد ما يربط قصة ابنة الساطرون بقصة الزباء من رابط معدن المأساة الكمين في نزاع ما بين عز النفس وذل الهوى وامتناع الذات واستسلام الجنس. وقصة زرقاء اليمامة في خصوبتها ومصيرها ليست ببعيدة كل البعد عن هذا المعنى.
هذا، ومن أمثلة خرافات يونان التي لها مشابه عند العرب، قصة هيلين التي تحارب من أجلها الملوك. وقد جعلت العرب رصيفتها عندهم في هذا الشؤم عوانًا شمطاء هي البسوس وضربوا بها المثل فقالوا اشأم من البسوس واشأم من سراب وسراب ناقتها وهي كناية عنها والسراب كما تعلم مما يفر ولا ينال. وكأن العرب كرهت أن تربط جمال الشباب الوادع الرائع -وكذلك كان نعت هيلين- بمعنى المشأمة والتشتيت. وهذا أشبه بما كان من شأنها في تأليه خصب الشابة وخفضها وتقديس وصونه مع الغيرة عليه. وما كانوا إلا قاتلي «هيلين» لو قد وقعت في خبر من أخبارهم كما وقعت في خبر يونان من خضوعها لباريس وتبعها له حين اجتالها إلى ذلك.
على أن العرب لم تباعد الشباب والجمال الهيليني من قصة البسوس، إذ قد