وكأنها كانتا تنوءان بالقيام إذا قامتا، وتضوع المسك من قيامهما يشهد بالخفض والرفاهية.
وقوله «إذا قامتا» ساقط من رواية السجستاني في الدواوين الستة (تحقيق الأستاذ عبد المتعال الصعيدي) ومكانه:
إذا التفتت نحوي تضوع ريحها ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
بعد وصف المهفهفة. وكأنه بيت روي بروايتين إحداهما التي أخذ بها الزوزني والأخرى التي أخذ بها جامع الدواوين الستة. وأنا خاصة أميل إلى أنهما بيتان اتفق مصراع العجز فيهما، وسأبين ذلك في موضعه عما قليل إن شاء الله.
ثم بكى امرؤ القيس بعد ذكره عهد أم الحويرث وأم الرباب كبكائه أول ما وقف واستوقف، وبل بدمعه نحره ومحمله، والمسرحية هنا لا تخفى. ثم ذكر يوم دارة جلجل والعذارى يتلاعبن خليات ناعمات بال. ثم يوم إذ شغفنه حبًا -وليس بيوم دارة جلجل ضربة لازب وقد يكونه- فنحر لهن مطيته، فأقبلن يشتوين ويطبخن ويترامين عبثًا من العبث بلحمها وبشحم «كهداب الدمقس المفتل». وقد يكون هذا من صفتهن إذ يتخالجن وهن يرتمين بعبث من شواء وترام وتلاعب وإقبال على عمل، وهداب الدمقس ثيابهن. وعلى هذا، فهن في هذه الصورة من صور النعت، أو بعضهن، مثل عذارى، «روبنز» أو قل بادناته. ومعنى البراءة فيما كن فيه ظاهر. ولكن شاعرنا كما نظر حينئذ، أو كما تأمل من بعد وهو يتذكر، غير حق بريء.
ثم خدر عنيزة وميل الغبيط.
وربما كان ميله بهما معًا من ثقلهما معًا. والراجح أنه كان من ثقل عنيزة إذ امرؤ القيس يصف نفسه، تلميحًا، في موضع آخر بأنه ضامر خفيف وكأنه يعرض برجل آخر كان ثقيلاً عنيفًا- قال يصف حصانه:
يزل الغلام الخف عن صهواته ... ويلوي بأثواب العنيف المثقل