ثم اختصر نعت النابغة للفم والشفتين في قوله «وإذا تضحك» وقوله «لو تطعمت به» وهذا كأنه إشارة تعليق على ما قال النابغة.
ثم صار إلى صفة الثدي حيث قال:
صلته الخد طويلٌ جيدها ... ناهد الثدي ولما ينكسر
مثل أنف الريم ينبي درعها ... في لبانٍ بادنٍ غير قفر
وانتقال المرار من صفة الخد والجيد إلى صفة الثدي، شبيه بانتقال النابغة حيث انتقل إلى صفة عكن البطن. إلا أن النابغة قد انتقل كأنه يغض بصره، وهذا ممعن في التأمل- وهذا راجع -كما قدمنا- إلى أن النابغة يصف متجردة، والمرار إنما انتقل من صفة الخد والجيد، وكلاهما مما عسى أن يرى، إلى ما قد كان مكسوًا. ولم يعد المرار في صفته قول النابغة:
والإتب تنفجه بثديٍ مقعد
ولكنه عمد إلى تفصيل هذا من معناه. فأوغل في التجريد والتقريب عند قوله «مثل أنف الريم»، وكأنه قد حرج مما فعل. فألقى عليه نوعًا من ستر في قوله «ينبي درعها»، وليس بساتره. ثم إن انتقاله من درعها الذي أنباه الثدي إلى قوله «في لبان بادن غير قفر» كأنه يريد أن ينصرف به وينهى نفسه عن النظر إلى ما نظر بشيء من التنبه إلى ما حوله.
ثم صار كالأعشى بعد إلى الجمع بين نموذجي البادنة والخمصانة في قوله:
فهي هيفاء هضيمٌ كشحها ... فخمةٌ حيث يشد المؤتزر
وهذه كما ترى كأنها نظرة أخرى بعد تلك. وفي البيت ما قدمنا من أخذ من امرئ القيس، واتباعه معنى النابغة:
محطوطة المتنين غير مفاضةٍ ... ريا الروادف بضة المتجرد