الذي إذا أرسلته ينعفر، كثوبها المنعفر وهذه كما لا يخفى، صورة متجردة النابعة بين سجفيها. وختم بقوله:
صورة الشمس على صورتها ... كلما تغرب شمسٌ أو تذر
كما رأيت، وهذا ما ابتدأ به النابغة. وكأن المرار عكس طريقة النابغة، وذلك أن النابغة لما رأى متجردة حقًا، زعم أنها شمس أعشه شعاعها، ثم جعل يخفض من ضوء هذا الشعاع، لكي يقدر على أن يرى، حتى أصاره ظلامًا ثم جاء بأبياته الستة كما رأيت. أما المرار فإنه لما رأى غير متجردة. غلابه خياله، فجردها، وجعل ضوءها بدريًا لا يُعشى، واندفع يصف، ثم إذا بهذا الضوء يزداد حتى أعشاه فجأةً، فانصرف عنه إلى ظلام الذكرى والبكاء.
وآخر ما نعت النابغة الشعر، وهو هنا أول ما نعت المرار، وذكر بعده الجبهة والعينين والفم. وقد نظر في نعت الجبهة إلى ما كان نعت من حصانه، وذلك قوله فيها «شادخ غرتها» وقوله في الحصان «سائل شمراخه». والمقابلة التي يداخلها التشبيه لا تخفى ههنا. واجعل قوله «سلط السنبك في رسغٍ عجر» مما نعت به حصانه، بإزاء قوله «يضرب السبعون في خلخالها» مما نعتها به. وفي الحصان بعد معنى من الكناية عن نفسه، كما ألمعنا، من حيث الخفة والأرن والمرح يشبه بذلك مرحه ونشوته لما رآها واهتاج إلى أن يتغنى به- تأمل قوله «شندف أشدف البيت» أي أرن مرح يمشي في شقٍ ويتمايل أرنا ونشاطًا.
وقد ذكر بعد الذي وصفه من إشراف جبهتها، فتور عينيها، ومرضهما ليكون ذلك أبلغ في الدلالة على معنى أنوثتها، وذلك قوله:«ولها عينًا خذول مخرف إلخ» وهو من قول النابغة:
نظرت إليك بحاجةٍ لم تقضها ... نظر السقيم إلى وجوه العود