وفي هاته الشمس التي «انطفأت» كما قال برحيلها، وإنما هي الشمس- شبهها كما ترى بشمس الصيف عند البحر، وهي أنعم من الشمس حين طلوعها بالأسعد، بلا ريب ولكنها مثلها رمز للخصوبة والغزل. والأصل الجاهلي هنا لا يخفى.
ثم إن صورة العينين واضحة حية والإيحاء المنبعث منها قوي- قوي في هذه الخضرة الشاملة ذات العمق التي كالبحر، وفي هذا الإشراق البهج الدافئ، كالمأوى عند البحر حين تهب الرياح، وكالرمل عند البحر وكالبحر نفسه حين يفيض ضوء الشمس، وفي هذا السجو، سجو الأهداب.
وأحسب أن هذا الوضوح مع ما حوله وما ينبعث منه من إيحاء، مزيج من الاشتهاء واللوعة، يغفر لهذه الأبيات بعض ركاكتها وأوزارها. ولا ريب أن هذا الوضوح التصويري فيه رجعة ما إلى المذهب الجاهلي كما ترى. وعسى هذا ونحوه من نزار وغيره من المعاصرين، أن يكون بادرة نهضة، كما كان العثور بالصبايا الثلاث والحذو عليهن بادرة النهضة في الفن الأوروبي والله تعالى أعلم وبه التوفيق.
وهذا بعد حين نمسك عن الحديث ونختتم هذا الكتاب ونأمل أن نقبل في سفر بل هذا إن شاء الله على تفصيل شيء عن نماذج الشمطاء في أشعار هذيل وحميد بن ثور والقطامي وغيرهم كما وعدنا آنفًا، وعن غير ذلك مما هو بصدد ما نحن فيه. والحمد لله أولاً وأخيرًا والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.