ومن شابهه أمر الراية واللغة والغريب وأنكر معرفتهم بجودة الشعر وأثبت هذه المزية للكتاب واستثنى خلفًا وحده من جيل أهل اللغة والرواة الذين شاهدهم وأخذ عنهم وفيهم أبو عبيدة والأصمعي وله خبر طريف في تزييف ذوق أبي عمرو الشيباني. وإنما أراد المرار بقوله «ينتصينا» تصوير الرقص الحلو المرح الذي يكون مثله عند تناصي الجواري وقد يكون أراد جودة النخل نفسه بقوله ينتصينا وحديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه إذ أعجبه منظر اشتباك فروع نخله يصحح هذا المذهب، خلافًا لما زعمه الأصمعي والله تعالى أعلم.
هذا وممن حاكى مذاهب الشعر العربي القديم وأخذ منه أخذًا الشاعر الأمريكي الإنجليزي ثوماس ستيرنز إليوت (١٨٨٨ - ١٩٦٥ م) وقوله المشهور:
Let us go then, you and I
When the evening is spread out against the sky
Like a patient etherized upon a table
أي:«دعنا إذن نذهب أنت وأنا
عندما يكون الليل قد مُدد بإزاء السماء
مثل مريض بنج على منضدة العملية».
يشبه أوله مطالع قصائد العرب:«قفا نبك»«عوجا كذا»، «عوجوا فحيوا» وهلم جرا. وسائره من باب التشبيه المقلوب وقد نبهنا على ذلك في كلمة نشرتها مجلة الدوحة (١) كما نبهنا على نظره الشديد في منظومته الطويلة «الأرض المقفرة The waste land» التي بنى عليها أساس شهرته إلى المعلقات وغيرها من قديم شعر العرب. وقد حاول إليوت إخفاء أخذه عن العربية بكتمانه فلم يشر إلى شيء قد ينم به في تعليقاته الكثيرة المتنوعة.