للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتبع فيليب سيدني، الشاعر والناقد الإنجليزي، مذهب لونجينس فزعم أن الشعر فيه القدوة الحسنة، ونسي أن فيه أيضًا المثل السيء كشخصية أياغو في مسرحية «أوثيلو» لشكسبير مثلًا وله مشابه في ما كتب القدماء ممن يكون السير فيليب سيدني قد اطلع على آثارهم. وأدق من مذهبه مذهب أبي تمام في قوله:

ولولا خلال سنها الشعر ما درى ... بغاة الندى من أين تؤتى المكارم

وقال الأعشى:

قلدتك الشعر بسلاسة ذا ... فائش والمرء حيثما جعلا

ويروى عن عمر رضي الله عنه أنه نعت الشعر بأنه كان علم قوة لم يكن عندهم علم أصح منه. وفرع من هذا ما روي عن أبي عمرو بن العلاء أنه ذكر أن شعراء العرب كانوا فيهم بمنزلة أنبياء بني إسرائيل في بني إسرائيل. وقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن من الشعر لحكمًا أو لحكمة» شامل لهذه المعاني، والحكم هو الحكمة وهي أخت النبوة، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} والحكم بضم الحاء القضاء وهو من معاني النبوة قال الأعشى وجعل نفسه قاضيًّا:

حكمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر

لا يقبل الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر

وتتمة الحديث: «وإن من البيان لسحرًا»، لما يكون فيه من قوة التأثير، وكما مدح الشعر ذم، ومن قديم ذمه نسبته إلى الكذب.

وذكر (١) نورثروب فراي أحد النقاد الإنجليز المعاصرين في المقالة الثانية من كتابه عن تشريح النقد أن عادة الشاعر في تجاهل الحقائق هذا التي جرت عليه سمعة رخصة الكذب وذكر أن كلمة «دغتر» digter النرويجية معناها الكاذب كما أن معناها أيضًا الشاعر وموقف أفلاطون معروف حيث زعم أن الشاعر بعيد عن


(١) () Anatomy of Criticism by Northrop Frye Princeton Press طبع برنستون بأمريكا- الطبعة الثالثة ١٩٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>