للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقة بمرحلتين إذ هو كالرسام الذي يصور سريرًا صنعه النجار وصناعة النجار إن هي إلا أداء جزئي منظور فيه على وجه التقليد للفكرة الكاملة للسرير، والفكرة الكاملة للسرير لا يكون منها إلا سرير واحد مثالي.

وفي الكتاب العزيز في آخر سورة الشعراء مدح لشعراء الحزب المؤمن وذم لشعراء الشرك والطاغوت وذلك قوله تعالى: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}، وليس وراء هذا لقائل من مقال.

قولنا من قبل أن الوزن هو الخاصة التي يميز بها الشعر ويعرف، نحترس به من أن تعريف الشعر بحد تام ليس بالممكن، والحد التام لا يتأتى بالخاصة ولكن بالفصل، والوزن خاصة لا فصل يدلك على ذلك مثلًا قول ابن الرومي:

مستفعلن فاعلن فعولن ... مستفعلن فاعلن فعولو

بيت كمنعاك ليس فيه ... شيء سوى أنه فضول

على أنه خاصة قوية تقارب أن تكون فصلًا وليست به.

ولذلك قالوا: الشعر هو الكلام الموزون المقفى. وقال ابن رشيق «بعد النية» يخرج بذلك من الشعر ما يقع موزونًا من الكلام ولم يرد لأن يكون شعرًا وإنما وقع اتفاقًا. وفي هذا من صنيعه ما يؤخذ عليه إن كان إنما أراد به الاحتراس للقرآن لئلا يقال هو شعر، قال في باب حد الشعر وبنيته: «الشعر يقوم بعد النية من أربعة أشياء وهي اللفظ والوزن والمعنى والقافية فهذا هو حد الشعر لأن من الكلام موزونًا مقفى وليس بشعر لعدم القصد والنية كأشياء أنزلت من القرآن ومن كلام النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما يطلق عليه أنه شعر». أ. هـ. أقول وكأن ابن رشيق قد فطن إلى أن قوله: «بعد النية» وحده مما يؤخذ عليه إذ لا يعقل في شيء من القرآن والحديث أن يقع فيه الشعر اتفاقًا بلا نية الشعر، فجاء ابن رشيق بقوله: «لعدم القصد» وهي أدق،

<<  <  ج: ص:  >  >>