ملكة منحها الله إياه هي المقدرة على التعبير بالرنين والإيقاع. والوزن بالبحر والقافية كالإطار للإيقاع كله. داخل هذا الإطار الألفاظ التي تتبع نقراتها نقراته وتزيدهن رنينًا وإيقاعًا. وتراكيب الألفاظ بضروب تقسيماتها وموازناتها وطباقها وجناسها وتكرارها. ثم يوجد وراء هذا كله الإيقاع الرئيسي (١) الذي خص الشاعر به كلامه ليكون هو ذاته من وسائل بيانه وطرقه إلى الإيحاء والتأثير. مثلًا قصيدة زهير:
صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو ... وأقفر من سلمى التعانيق فالثقل
إيقاعها ببحر الطويل الأول وقافية من المتواتر رويها اللام المضمومة بعدها واو الوصل وبضروب الأوزان الفرعية من جناس وتقسيم ونحو ذلك كما في قوله:
وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل
على مكثريهم رزق من يعتريهمو ... وعند المقلين السماحة والبذل
فهذا موازنة وتقسيم، وكما في قوله:
إذا لقحت حرب عوان مضرة ... ضروس تهر الناس أنيابها عصل
تجدهم على ما خيلت هم إزاءها ... وإن أفسد المال الجماعات والأزل
فههنا الجناس بالحروف في الضاد والراء والسين والزاي.
التقسيم والموازنة ورنة الحروف، جميع هؤلاء ضروب من الإيقاع في داخل إطار الوزن الكبير من البحر والقافية، ثم هؤلاء كلهن، بمنزلة الإطار والغشاء الخارجي لإيقاع الشاعر المنبعث من نفسه، الذي هو به يبين، لذلك قديمًا قيل إن الكلام إذا خرج من القلب ولج إلى القلب وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان.
(١) () الياء للنسبة والرئيسي في مثل هذا الموضوع أحب إلي وأحسبها أصح.