الله، إن كل كلمة من بيت الشعر جزء منه وهو جزء من القصيدة، وكل ذلك أمر واحد ليس بعضين مفترقات، إلا حين يكون الشاعر نفسه ضعيفًا كالذي قالوا فيه:
وشعر كبعر الكبش فرق بينه ... لسان دعي في القريض دخيل
والمعنى قرين اللفظ وذلك أن اللفظ من أجل المعنى أصل استعماله، وإن شئت فقل اللفظ شكل والمعنى مضمون، وهذان اصطلاحان دائران الآن، وقد استعيرا وترجما من قولهم form وقولهم content (كنتنت) وما يرادفهما من مصطلحات الفلسفة في الفرنسية واللغات الأوروبية الأخرى. وقولهم في الإنجليزية form في الاصطلاح الفلسفي (نطقها فورم) يدل على هيئة الشيء ومظهره. وقولهم content (كنتنت) يدل على كنهه وجوهره ومحتواه وما أشبه. وسنعرض ما استطعنا عن استعمال هذين اللفظين لما نعتقده من قلة غنائهما في ما نحن بصدده وما نراه من قلة الحاجة إلى استعمالهما حقًّا.
والمعنى منه المباشر المكافح كقول عمرو بن كلثوم في المعلقة:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ومنه الذي يستفاد من السياق كقول عنترة:
نبئت عمرًا غير شاكر نعمتي ... والكفر مخبثةٌ لنفس المنعم
ومنه ما يكون جاريًّا على الحقيقة نحو قول زهير:
من يلق يومًا على علاته هرما ... يلق السماحة منه والندى خلقا
ومنه ما يكون جاريًّا على المجاز نحو قول طرفة:
وفي الحي أحوى سنفض المرد شادن ... مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد
ومنه الجزئي ومنه الكلي ومن الكلي ما هو جزئي بالنسبة لما فوقه درجة، كالذي مر من