قولنا في اللفظ، وجزئيات اللفظ وكلياته متكاملات مع جزئيات المعنى وكلياته كما لا يخفى.
ومن المعنى الإيحاء. وبعض الإيحاء ضرب من المجاز، وقد نبه على ذلك علماء البلاغة، مثل قول جعفر بن علبة الحارثي.
فؤادي مع الركب اليمانين مصعد ... جنيب وجثماني بمكة موثق
وهذا أول أبيات جياد أوردها صاحب الحماسة، وهو مما يستشهد به في كتب البلاغة على الخبر الذي يراد به الإنشاء.
ومن الإيحاء محض يدخل منه في هذا الذي تقدم ويزيد كقول زهير:
قامت تراءى بذي ضال لتحزنني ... ولا محالة أن يشتاق من عشقا
وإنما تراءت لتشوق والحزن أخو العشق ولا سيما بعد أن يفوت وقت إمكان الانتفاع به وهو الشباب.
وكقول امرئ القيس:
نشيم بروق المزن أين مصابه ... ولا شيء يشفي منك يابنة عفزرا
أي حتى انهمال المزن وانهمال الدمع كالمزن لا يشفي من ذكرى هواك ومنه الكناية القريبة كقول الخنساء:
طويل النجاد رفيع العماد ... ساد عشيرته امردا
(إن جعلت الدال في الصدر خرمت أول العجز وهو أحب إلي وجعل الدال في أول العجز جيد بالغ) وهذا قريب مما يسميه البلاغيون المجاز المرسل، إذ هو تعبير عن الشيء بملابسه ورفعة العماد مع الشرف.