أول ما يقرع الأسماع من الابتداء، والمقطع آخر ما يختم به عند الانتهاء. قال الجاحظ إن شبيب بن شبة كان يقول الناس موكلون بتفضيل جودة الابتداء وبمدح صاحبه وأنا موكل بتفضيل جودة المقطع وبمدح صاحبه وحظ جودة القافية وإن كانت كلمة واحدة أرفع من حظ سائر البيت وفي رواية ابن رشيق أرفع من حظ سائر البيت أو القصيدة. قال ابن رشيق وحكاية الجاحظ هذه تدل على أن المقطع آخر البيت أو القصيدة.
وبراعة الاستهلال بالمطالع الحسنة يدخل فيها كلا صنفي التأليف، ما افتتح افتتاحًا طلليًا نسيبيًا وما لم يصنع به ذلك. وأمر ما لا يبدأ ابتداء طلليًّا أو ليليًّا أو غزليًّا أو ما شاكل ذلك مما عدده الكميت واضح الخلوص من الشاعر إلى غرضه خلوصًا مباشرًا، نحو قول كعب بن مالك:
قضينا من تهامة كل حقٍ ... وخيبر ثم أجممنا السيوفا
وأمر الابتداء النسيبي كان واضحًا للأولين، إذ كانوا يعلمون مدلولات ابتداءات الشعراء التي من هذا الضرب. وإنما جسر المرار على أن يقول:
لا حبذا أنت يا صنعاء من بلدٍ ... ولا شعوب هوىً منى ولا نقم
ولا أحب بلادًا قد رأيت بها ... عنسًا ولا بلدًا حلت به قدم
إذا سقى الله أرضًا صوب غادية ... فلا سقاهن إلا النار تضطرم
لما فيه من روح السخرية بالسقيا وبالوقوف والحنين وقلب المعنى الذي يبتدئ بمثله الشعراء.
وبين مثل هذه الجسارة التي يكون بها قلب المعنى، وبين الأصل الذي عليه بناء خالص النسيب من حنين وبكاء ووقوف واستيقاف، درجات من أساليب القول يفطن من خلالها السامعون إلى أرب الشاعر وحقيقة مراده. ولقد استعجم كثير من