على أن صاحب التمتمة ربما تغنى فأجاد، فهل كان أبو تمام يتغنى شعره، فإذا أنشده يتكلم به كلامًا دون الغناء تمتم؟ قال الآخر يهجوه:
يا نبي الله في الشعر ويا عيسى ابن مريم
أنت من أشعر خلق الله ما لم تتكلم
على أن أبا تمام كان يعلم أن جودة شعره تعلو على كل إنشاد. وذكروا أنه كان له غلام ينشد عنه أحيانًا. وخبره الذي ذكره ابن المعتز عن ثقته من جودة شعره لا يخلو من روح فكاهة. قال في كتاب البديع:«ودخل أبو سعيد المخزومي على إسحاق بن إبراهيم المصعبي فأنشده قصيدة وكان حسن الإنشاد، ثم دخل بعده الطائي فأنشده وكان رديء الإنشاد فقال المصعبي للطائي لو رأيت المخزومي وقد أنشدنا آنفًا فقال أيها الأمير نشيد المخزومي يطرق بين يدي نشيدي ... » أ. هـ. يطرق بتشديد الراء من تطريق الحبلى للولادة، فالمولود هو شعر الطائي، وشعر المخزومي تطريق.
وعسى أن يستفاد من قول القائل:
أنت من أشعر خلق الله ما لم تتكلم
إن أبا تمام كان إذا تغنى شعره أحسن فإذا تكلم به اضطرب، والترنم بالشعر والمجيء به كالكلام، كلاهما وجهان في الإنشاد، كما يستفاد من الباب الذي جعله سيبويه لذلك في الجزء الثاني من الكتاب، إلا أن التغني هو الأصل. وقد كان أبو تمام محبًا للغناء تشهد بذلك أخباره كما يشهد به قوله في المغنية الفارسية:
ولم أفهم معانيها ولكن ... ورت كبدي فلم أجهل شجاها
فما خلت الخدود كسبن وجدا ... لقلبي مثلما كسبت يداها
يعني ضربها بالعود، وهذا من قول أبي تمام ينبه على دقة حسه بالموسيقا حتى