ويبدو عجز البيت كأنه غير مرتبط بصدره لأول وهلة، ولكن عند التأمل تظهر قوة صلته ظهورًا بينًا، وذلك أن عادة الشعراء القدماء أن يجدولا في اللحاق بالحبيب الذي بان أو يذكروا شيئًا من هذا المعنى. قال علقمة:
هل تلحقني بأخرى الحي إذ شحطوا ... جلذيةٌ كأتان الضحل علكوم
وقال يتسلى بالرحلة عن الحبيب الذي فارقه أو لا سبيل إليه:
فدعها وسل الهم عنك بجسرةٍ ... كهمك فيها بالرداف خبيب
وقال كعب بن زهير:
أمست سعاد بأرضها لا يبلغها ... إلا العتاق النجيبات المراسيل
فقول أبي تمام متضمن لهذا الذي ذكرناه من عادة الشعراء. ولذلك صح له أن يرد على المستنكر الذي قال له:«لم لا تقول ما يفهم» بقوله «ولم لا تفهم ما يقال» أي لم لا تتأمل فتدرك مرادي من الإشارة إلى مسلك الشعراء في المصير إلى الجد بعد ذكر الهوى والبين ومزج ذلك بالإشارة إلى الحديث الشريف في قوله: «عوادي يوسف وصواحبه».
هذا، وما أحسب أبا الطيب قد خلا من نظر خفي إلى أبي تمام في مطلعه هذا ومن نوع مجاراة ومحاكاة له فيه حيث قال:
وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه ... بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه