على أن هذا ربما كان أدخل في باب العصبية منه في باب الشعوبية، لذكره بني أسد كأنما يشير بذلك إلى نونية الكميت -وهو أسدي- في ذم اليمن، وكان أبو نواس معروفًا بالتعصب لليمن وما ذكر في ذمه إلا قبائل مضر وهم الأعاريب إذ البداوة عليهم أغلب منها على اليمن وقال ابن رشيق في باب المبدأ والخروج والنهاية، «ولما سجنه الخليفة على اشتهاره بالخمر وأخذ عليه ألا يذكرها في شعره قال:
أعر شعرك الأطلال والمنزل القفرا ... فقد طالما أزرى به نعتك الخمرا
دعاني إلى نعت الطلول مسلط ... تضيق ذراعي أن أرد له أمرا
فسمعا أمير المؤمنين وطاعة ... وإن كنت قد جشمتني مركبا وعرا
فجاهر بأن وصفه الأطلال والقفر إنما هو من خشية الإمام، وإلا فهو عنده فراغ وجهل، وكان شعوبي اللسان، فما أدري ما وراء ذلك وإن في اللسان وكثرة ولوعه بالشيء لشاهدًا عدلًا لا ترد شهادته وقد قال أبو تمام:
لسان المرء من خدم الفؤاد» أ. هـ.
وكأن ابن رشيق مداخله شك في الذي هم أن ينسب أبا نواس إليه من الشعوبية ومع الشك تتردد، وبعض ذلك أحسب مرده إلى ضرب من التقية والحذر كان يعمد إليه ابن رشيق يصانع بذلك مولاه أو من كان ذا قدم في مجالسه والله تعالى أعلم.
على أن استشهاد ابن رشيق بالأبيات الرائية التي استشهد بها أدل على المعنى الذي ذكر في الأبيات الدالية لمكان ما ذكرناه فيها من الدلالة على العصبية وقد كان أبو نواس ميالًا إلى الهزل والعبث وعسى أن يدخل في ذلك التظرف بالتظاهر برقة الدين إن يكن رقيقة، ومما يشهد بأن بعض ذلك ربما كان من مذهبه قوله:
تيه مغن وظرف زنديق
فقد نسب الظرف إلى الزنديق كما ترى. وزعم ابن المعتز أن غزل أبي نواس بالمذكر