مرت هذه القصيدة على أيديهما، فلما وقفا على هذا الابتداء طرحاها على الشعر المنبوذ، فأبطأ خبرها على أبي تمام، فكتب إلى أبي العميثل أبياتًا يعاتبه فيهما (كذا) ويقول:
وارى الصحيفة قد علتها فترةٌ ... فترت لها الأرواح والأجسام
ثم لقيهما فقالا له: لم لا تقول ما يفهم؟ فقال: ولم لا تفهمان ما يقال؟ فاستحسن هذا الجواب من أبي تمام. فلما دخل على عبد الله أنشده، فلما بلغ إلى قوله:
والأبيات التي بعده، صاح الشعراء وقالوا: ما يستحق مثل هذا الشعر إلا الأمير. فقال شاعر منهم يعرف بالرياحي: ولي عند الأمير أعزه الله جائزة وعدني بها وهي له جزاءً عن قوله، فقال الأمير: بل نضعفها لك ونقوم بالواجب له جزاء عن قوله. فلما فرغ من القصيدة نثر عليه ألف دينارٍ فلقطها الغلمان ولم يمس منها شيئًا، فوجد عليه المير وقال: يترفع عن بري ويتهاون بما أكرمته به. ثم بلغ بعد ذلك ما أراد منه» أ. هـ. هكذا آخر الخبر في شرح التبريزي لديوانه الذي حققه الدكتور محمد عبده عزام وفي أخبار أبي تمام للصولي «فما بلغ بعد ذلك ما أراد منه» وما أشبه أن يكون وقع ههنا تحريف لأن لأبي تمام في عبد الله بن طاهر بعد هذه البائية شعرًا يدل على حظوة وجدها عنده والله تعالى أعلم.
وإنما سقنا هذا الخبر بتمامه لكيلا نجيء بقوله:«ولم لا تفهمان ما يقال؟ » مبتورًا، ولأنه يشع ضوءً على مكا كان عليه أبو تمام من لين الجانب وعزة النفس معًا وقوله:«ولم لا تفهمان ما يقال» ليس بمجرد لعب لفظي، لما فيه من الإشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ثم لأن اوصاف النساء والغزل مما يتبعه الشعراء وصف الرحلة والسير والراحلة. فالمعنى إذن، أنت تعلم إنهن، أي النساء، قد جاء