وأعجب منه. والبيت الثاني خال من المحاسن والبديع خاو من المعنى وليس المعنى له لفظ يروق ولا معنى يروع من طباع السوقة فلا يرعك تهويله باسم موضع غريب. وقال:
ويوم عقرت للعذارى مطيتي ... فيا عجبًا من رحلها المتحمل
تقديره أذكر يوم عقرت مطيتي أو يرده على قوله:«يوم بدارة جلجل» وليس في المصراع الأول من هذا البيت إلا سفاهته قال بعض الأدباء: قوله يا عجبًا، يعجبهم من سفهه في شبابه من نحره ناقته لهن وإنما أراد أن لا يكون الكلام من هذا المصراع منقطعًا عن الأول، وأراد أن يكون الكلام ملائمًا له، وهذا الذي ذكره بعيد وهو منقطع عن الأول، وظاهره أن يتعجب من تحمل العذارى رحله، ولا في هذا تعجب كبير، ولا في نحر الناقة لهن تعجب. وإن كان يعني بهن أنهن حملهن رحله، وأن بعضهن حملته، فعبر عن نفسه برحله، فهذا قليلًا يشبه أن يكون عجبًا، ولكن الكلام لا يدل عليه، ويتجافى عنه، ولو سلم البيت من العيب لم يكن فيه شيء غريب، ولا معنى بديع أكثر من سفاهته مع قلة معناه وتقارب أمره ومشاكلته طبع المتأخرين من أهل زماننا وإلى هذا الموضع لم يمر له بيت رائع وكلام رائق.
وأما البيت الثاني فيعدونه حسنًا ويعدون التشبيه مليحًا واقعًا وفيه شيء وذلك أنه عرف اللحم ونكر الشحم فلا يعلم أنه وصف شحمها وذكر تشبيه أحدهما بشيء واقع للعامة ويجري على ألسنتهم وعجز عن تشبيه القسمة الأولى فمرت مرسلة وهذا نقص في الصنعة وعجز عن إعطاء الكلام حقه. وفيه شيء آخر من جهة المعنى وهو أنه وصف طعامه الذي أطعم من أضاف بالجودة وهذا قد يعاب وقد يقال إن العرب تفتخر بذلك ولا يرونه عيبًا وإنما الفرس هم الذين يرون هذا عيبًا شنيعًا. وأما تشبيه الشحم بالدمقس فشيء يقع للعامة ويجري على ألسنتهم فليس