شافيًّا كافيًّا فما حاجته بعد ذلك إلى طلب حيلة أخرى وتجمل ومعول عند الرسوم؟ ولو أراد أن يحسن الكلام لوجب أن يدل على أن الدمع لا يشفيه لشدة ما به من الحزن، ثم يسائل: هل عند الربع من حيلة أخرى؟ وقوله:
كدأبك من أمم الحويرث قبلها ... وجارتها أم الرباب بمأسل
إذا قامتا تضوع المسيك منهما ... نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل
أنت لا تشك في البيت الأول قليل الفائدة، ليس له مع ذلك بهجة فقد يكون الكلام مصنوع اللفظ، وإن كان منزوع المعنى، وأما البيت الثاني فوجه التكلف فيه قوله:«إذا قامتا تضوع المسك منها» ولو أراد أن يجود أفاد أن بهما طيبًا على كل حال، فإما في حال القيام فقط، فذلك تقصير. ثم فيه خلل آخر؛ لأنه بعد أن شبه عرفهما بالمسك، شبه ذلك بنسيم القرنفل، وذكر ذلك بعد ذكر المسك نقص. وقوله نسيم الصبا في تقدير المنقطع عن المصراع الأول لم يصله به وصل مثله. وقوله:
ففاضت دموع العين مني صبابة ... على النحر حتى بل دمعي محملي
ألا رب يوم لك منهن صالح ... ولا سيما يوم بدارة جلجل
قوله:«ففاضت دموع العين» ثم استعانته بمني استعانة ضعيفة عند المتأخرين في الصنعة وهو حشو غير مليح ولا بديع. وقوله على النحر، حشو آخر لأن قوله حتى بل دمعي محملي، إعادة ذكره الدمع خشو آخر، وكان يكفيه أن يقول حتى بلت محملي، فاحتاج لإقامة الوزن إلى هذا كله. ثم تقدير أنه قد أفرط في إفاضة الدمع حتى بل محمله تفريط منه وتقصير، ولو كان أبدع لكان يقول: حتى بل دمعي مغانيهم وعراصهم ويشبه أن يكون غرضه إقامة الوزن والقافية؛ لأن الدمع يبعد أن يبل المحمل، وإنما يقطر من الواقف والقاعد على الأرض أو على الذيل وإن بله فلقلته وأنه لا يقطر. وأنت تلد في شعر الخبزرزي ما هو أحسن من هذا البيت وأمتن