للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أبو حيان فقد قال في الامتاع والمؤانسة (انظر مقدمة الإعجاز ص ٦٣) لما سأله الوزير أبو عبد الله العارض وقال له: «فما تقول في ابن الباقلاني» قال أبو حيان قلت:

فما شر الثلاثة أم عمرو ... بصاحبك الذي لا تصبحينا

يزعم أنه ينصر السنة ويفحم المعتزلة وينشر الرواية وهو في إضعاف ذلك على مذهب الخرمية وطرائق الملحدة، قال: «ولله إن هذا لمن المصائب الكبار والمحن الغلاظ والأمراض التي ليس لها علاج» وأبو حيان بالرغم من مقال الأستاذ السيد صقر تعليقًا على قوله هذا في مقدمته «ولست أرتاب في أن أبا حيان قد جاء بالإفك حين رمى الباقلاني بأنه كان على مذهب الخرمية وطرائق الملحدة» لم يخل من بعض وجه الصواب في قوله غير أنه اشتط شيئًا والشطط له طريقٌ أحيانًا كثيرة إذ كان مقصده من الخرمية القول ببعض مقالات الشعوبية ومقصده من الملحدة ما زل فيه ابن الباقلاني في تحمسه لقضية الإعجاز القرآني من الجسارة على الطعن في بلاغة الحديث- كقوله (ص ٢٠٧) «وإنما يقع في كلامه وكلام غيره ما يقع من التفاوت بين كلام الفصيحين وبين شعر الشاعرين وذلك أمرٌ له مقدارٌ معروفٌ وحدٌ ينتهي إليه مضبوط والضمير راجع إلى صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام، فتأمل هذه الزلة وغاب عن أبي بكر فغفل عنه أو تغافل قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} والذي صح من حديثه عليه الصلاة والسلام تتقطع دون بلاغته الأعناق ولا معنى لإقحام ذلك في ميدان من الموازنة بينه وبين القرآن فذلك هو الضلال البعيد. على أنا -والله الموفق للصواب- لا نحمل هذا من ابن الباقلاني على أكثر من أنه عثرة جلبتها عجلة المكابرة وشهوة الغلبة كما قدمنا، شأنها شأن ما وقع فيه من كثير من التناقض كقوله عن امرئ القيس والنابغة وزهير (ص ٥٤): «ولذلك ضرب المثل بالذين

<<  <  ج: ص:  >  >>