للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإمكان وجودها فيما هو غيره من التأليف المحكم الذي ليس بشعر - (بمعنى الخلق والإبداع) - ولا يخفى ما ههنا من تعمل، إذ لا يعقل أن يكتمل انسجام شعر مع لا شعر كلٍ واحد لمجرد اتفاقها في خويصة واحدة غير جوهرية. ولو قد جرح من جسد الحية شيء لشل ذلك حركتها ولم ينفعها بعد ذلك أن سائرها مشترك في خاصة واحدة وهي قشرة الجلد مثلًا التي تنزع في إبان نزعها على فرض أن ذلك يجعلها غير جوهرية. أم ليت شعري هل مثل كلردج للخلق والإبداع باندفاع انسياب الحية بها إلى الأمام وللوزن والتجويد بحركة التواءة مفاصلها بجسدها إلى الخلف قبل الاندفاع؟ أم عني بالإبداع والخلق إصابة المعاني العالية الشريفة على النحو الذي نوه به لونغينس في رسالته (Longinus) ويشبه ذلك شيئًا حديث ابن قتيبة في مقدمته للشعر والشعراء عن حسن المعنى حيث استشهد بقول الشاعر:

يغضى حياءً ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم

ثم استشهد بالأبيات:

ولما قضينا من منًى كل حاجةٍ ... ومسح بالأركان من هو ماسح

وشدت على حدب المطايا رحالنا ... ولم ينظر الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالت بأعناق المطي الأباطح

فهذه لما نص عليه ابن قتيبة من حلاوتها ينطبق عليها تعريف كلردج أنها منظومة حقة. ولو فرضنا منها الطول لمنعها خلوها من شرف المعنى أن تكون شعرًا على الحد الذي حده ابن قتيبة. ولا ريب -وهذا نقوله على سبيل الاستطراد- أن جودة هذه الأبيات من حلاوتها لا من تصويرها كما ذهب إليه بعض من تعقبوه، إذ نحن لا تهتز أوتار قلوبنا لصورة سيرة الأباطح بأعناق المطي فقط ولكن لحلاوة القصص ورنة نغمه. ونزعم بعد أن هذه الحلاوة هي نفسها خلقٌ وإبداع من

<<  <  ج: ص:  >  >>