في نص كلردج غموض من اصطناعه منهج الفلاسفة ومن عادته في التطويل وتعبيره عن البسائط بالمعقدات، وقد ضرب هو مثلًا لنحو من ذلك بعيني السنور اللتين تبدوان في الظلمة كالنار المشتعلة وما هما إلا مجرد بريق من انعكاس الأضواء. وفحوى كلامه أن ابن آدم يحاكي عمل الله سبحانه وتعالى في الخلق والإبداع على مرحلتين، الأولى تلقائية وهذا التي يتم له بها إدراك نظام الكون حوله. ذلك بأن ما يشاهده ابن آدم من طريق الإدراك غامض غير منتظم. فالذي يعقد النظام بينه هو امتداد ذاته إليه من طريق الخيال الأول. امتداد ذاته هكذا تلقائي عفوي مستمد من روح الله، وتكرار لامتداد حقيقة ذات الله سبحانه وتعالى حين امتدت على الفوضى والظلمة فأبدعت منها خلقًا ونظامًا. ذات الله التي صنعت هذا هي «أنا كائن» اللامتناهية، التي وردت في مقال المسيح (إنجيل يوحنا ٨ - ٥٨)«قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» «Before Abraham Was I am». وذات ابن آدم التي تدرك بخيال امتدادها التلقائي الذي ينشأ عنه نظام المدركات حولها، هي «أنا كائن» المتناهية أو قل «أنا المتناهية». و «أنا اللامتناهية» هي الأصل القدمي (قلت لا يخفى أن إبداع الخلق من الظلمة ومن هيولي ليس للمسلمين بمقال، ولكن مقال المسلمين أن الله قد أوجد الكون من العدم بإرادته على غير مثال سابق وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده).
المرحلة الثانية هي تسليط «أنا المتناهية» ذات الشاعر مثلًا -بمجهود إرادي متعمد. ههنا امتداد للذات من نوع الامتداد التلقائي الأول ومن معدنه. وهذا هو الخيال الخلاق، الذي يبدد ويذيب لكي يخلق من جديد. ذلك بأنه يمتد إلى ما أدركه من نظام ليصبغه بشعوره وانفعاله وينقل هذا المعنى إلى الآخرين فيخلقه خلقًا آخر. وإن لم يقدر على هذا الخلق، اجتهد ليصل بما يحاوله إلى نوع من السمو به إلى الكمال إلى إيجاد الوحدة في ما يجده منه متفرقًا.