مستقيمات على منهاج بلاغة الديباجة العربية وإشراقها لمراعاتهن نظم تراكيب أعجمية: تأمل «حقول تقدمات» مثلًا وقوة شبهها بالترجمة الإنجليزية nor fields of offerings وبعد ذلك من روح العربية ورصانتها ودلالة ألفاظها.
هذه النصوص التي تقدمت من الكتاب المقدس في ترجمته العربية الحديثة لو نظرت في ترجمتها الإنجليزية فإنها في الذروة من الروعة في الإنجليزية ونثبتها في الهامش إكمالًا للفائدة بحسب توالي الأرقام المذكورة في أواخرها.
ذلك أن زمان تلك الترجمة اتصلت فيه قوة عقيدة القائمين بها بقوة ملكتهم في لغتهم التي كانت حينذاك في أوج زمان نضجها ومرونتها. على أن ابن الباقلاني عنده أن الإعجاز بالنظم لا يتأتى في أية لغة كما يتأتى في العربية:(انظر ص ٤٤) قوله: «فإن قيل فهل تقولون بأن غير القرآن من كلام الله معجز كالتوراة والإنجيل والصحف قيل ليس شيء، من ذلك بمعجز في النظم والتأليف وإن كان معجزًا كالقرآن فيما يتضمن من الخبار عن الغيوب. فإنما لم يكن معجزًا لأن الله تعالى لم يصفه بما وصف به القرآن، ولأنا قد علمنا أنه لم يقع التحدي إليه كما وقع التحدي إلى القرآن، ولمعنى آخر وهو أن ذلك اللسان لا يتأتى فيه من وجوه الفصاحة ما يقع به التفاضل الذي ينتهي إلى حد الإعجاز ولكنه يتقارب».
قلت هذا موضع استشهادنا. ويوضح ابن الباقلاني هذه الدقيقة من رأيه بقوله بعد: «وقد رأيت أصحابنا يذكرون هذا في سائر الألسنة ويقولون ليس يقع فيها من التفاوت ما يتضمن التقدم العجيب. ويمكن بيان ذلك بانا لا نجد في القدر الذي نعرفه من الألسنة للشيء الواحد من الأسماء ما نعرف من اللغة العربية، وكذلك لا نعرف الكلمة الواحدة تتناول المعاني الكثيرة كما تناوله العربية وكذلك التصرف في الاستعارات والإشارات ووجوه الاستعمالات البديعية التي يجيء تفصيلها يعد هذا ويشهد لذلك من القرآن أن الله وصفه بأنه بلسان عربي مبين،