للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكرر ذلك في مواضع كثيرة وبين ان رفعه عن أن يجعله أعجميًّا. فلو كان يمكن في لسان العجم إيراد مثل فصاحته لم يكن ليرفعه عن هذه المنزلة. وإنه وإن كان يمكن أن يكون من فائدة قوله إنه عربي مبين إنه مما يفهمونه ولا يفتقرون فيه إلى الرجوع إلى غيرهم ولا يحتاجون في تفسيره إلى سواهم فلا يمتنع أن يفيد ما قلناه أيضًا كما أفاد بظاهره ما قدمناه. ويبين ذلك أن كثيرًا من المسلمين قد عرفوا تلك الألسنة وهم من اهل البراعة فيها وفي العربية، فقد وقعوا على أن ليس يقع فيها من التفاضل ما يقع في العربية. أ. هـ.» قال ابن الباقلاني بعد هذا: (ص ٤٦) «ومعنى آخر وهو أنا لم نجد أهل التوراة والإنجيل ادعوا الإعجاز لكتابهم ولا ادعى لهم المسلمون إلخ» وهذه الدعوى أولها غير صحيح كما قد تقدم من قولنا وقال بعد: (ص ٤٦): «ويبين هذا أن الشعر لا يتأتى في تلك الألسنة على ما قد اتفق في العربية» وهذا مأخوذ من قول الجاحظ في الحيوان (ح ١ - ص ٧٥ المصورة من طبعة تحقيق محمد عبد السلام هرون) «وفضيلة الشعر مقصورة على العرب وعلى من تكلم بلسان العرب والشعر لا يستطاع أن يترجم إلخ».

هذا وقد مهد ابن الباقلاني لرأيه الذي ذكرناه آنفًا بقوله في آخر فاتحة كتابه الإعجاز (ص ٨): «ولسنا نزعم أنه يمكننا أن نبين ما رمنا بيانه وأردنا شرحه وتفصيله لمن كان عن معرفة الأدب ذاهبًا وعن وجه اللسان غافلًا؛ لأن ذلك مما لا سبيل إليه، إلا أن يكون الناظر فيما نعرض عليه مما قصدنا إليه من أهل صناعة العربية، وقد وقف على جملٍ من محاسن الكلام ومتصرفاته ومذاهبه، وعرف جملةً من طرق المتكلمين، ونظر في شيء من أصول الدين. وإنما ضمن الله عز وجل فيه البيان لمثل من وصفناه فقال: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وقال: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}» انتهى. قلت: هنا قد أثبت أبو بكر بن الباقلاني رحمه الله جانب الكلام وحجة المعتقد الديني وذلك مقصده الأول ودافعه

<<  <  ج: ص:  >  >>