للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي حداه إلى تأليف كتابه وهو بذكر هذا الذي ذكره من التمهيد في فاتحته منصف.

على أنه معدن حجة ابن الباقلاني لمن تأمله من كلام المعتزلة. أهل السنة وهو منهم ينكرون القول بخلق القرآن كما ينكرون ما اشتهر من قول المعتزلة بالصرفة أي أن الناس صرفوا عن الإتيان بصارفٍ من الله سبحانه وتعالى ولو لم يصرفوا فربما قدروا على الإتيان بمثله. وهذا قول مغالطة ضعيف ولا يخلو من أنفاس زندقة والعجب لابن خلدون حيث أخذ بطرف منه في المقدمة في معرض الحديث عن تعليم الصبيان. كان الجاحظ يقول بإعجاز القرآن بنظمه وله كتاب في ذلك ذكرنا إشارة ابن الباقلاني إليه وأن الجاحظ ذكر منه موجزًا في الحيوان (الجزء السادس) وذكر الجاحظ مقالة في الصرفة كأنه قد احتفظ بها على أنها علامة من علامات اعتزاله، (ولعل الجاحظ والله أعلم بالسرائر) قد كان من أهل السنة في السر وكأنه منفردٌ بها بين القائلين بالصرفة وهي في الجزء الثالث من الحيوان وفحواها أن العرب لو لم يصرفوا بصارف من الله سبحانه وتعالى لكانوا قد شوشوا بتشويشات مفتريات ولكان ذلك قد أحدث فتنة ولكابر به مكابروهم. وهذا الوجه الذي قال به الجاحظ ضعيف ينقضه ما ورد في القرآن من وقوع تشويش المشركين بالفعل على النبي صلى الله عليه وسلم وبالقول وقبولهم تحدي القرآن وانبرائهم لمباراتهم قال تعالى [سورة الأنعام]: {وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قال تعالى [سورة فصلت]: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} هذا عين المعنى الذي تمسك به أبو عثمان للدفاع عن صرفته، ولعل هذا القول الضعيف الذي مرض به الجاحظ لاعتزاله هو الذي وقع عند ابن خلدون موقعًا وغالط به حيث ذكره في المقدمة وهو من زلاته والكمال لله وحده سبحانه وتعالى علوًّا كبيرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>