ولد ابن الباقلاني حجته من كلام الجاحظ والبيانيين في النظم إذ لا نشك أن الجاحظ رحمه الله قد سبق إلى ما قاله. وكلام البيانيين مضمن في كثير من شعر الشعراء وخاصة شعر أبي تمام وقد جمع ذلك البحتري في أجود صياغة في قصيدته التي مدح بها ابن الزيات ومطلعها:
بعض هذا العتاب والتفنيد ... ليس ذم الوفاء بالمحمود
ولم يخل في الذي صنع من نظر إلى نعت أي تمام للقلم في كلمته التي أولها:
متى أنت عن ذهلية الحي ذاهل ... وقلبك منها مدة الدهر آهل
وأبيات البحتري هي قوله:
في نظام من البلاغة ما شك امرؤ القيس أنه نظام فريد
وبديع كأنه الزهر الضاحك في رونق الربيع الجديد
مشرق في جوانب السمع ما يخلقه عوده على المستعيد
حجج تخرس الألد بالألفاظ فرادى كالجوهر المعدود
حزن مستعمل الكلام اختيارًا وتجنبن ظلمة التعقيد
وركبن اللفظ القريب فأدركن به غاية المراد البعيد
وقد استشهد ابن الباقلاني بهذه الأبيات على أنها في وصف بلاغة الشعر وهو يعلم أنها في وصف بلاغة نثر ابن الزيات إذ مقدمتها:
لتفنت في الكتابة حتى ... عطل الناس فن عبد الحميد
وعبد الحميد إنما كان كاتبًا وعمي عن اسم ابن الزيات بقوله وعلى ما وصفه عن بعض الكتاب (ص ١٧٤) فتأمل، هذا مع استشهاده بأبيات من قصيدة أبي تمام اللامية وهي أيضًا في ابن الزيات (١٦٢) وفيها نعته للقلم الذي أشرنا إليه وأوله:
لك القلم الأعلى الذي بشبابه ... يصاب من الأمر الكلى والمفاصل