وذكر كلردج في رسالة أخرى أنه من قراءته في زمان مبكر الحكاية الخرافية وعن الجن Gennii وما أشبه قد اعتاد عقله إلف ما هو شاسع واسع ولم يعد يرى أن الحواس هي أساس لما يعتقده. وذكر أنه قرأ من قصص ألف ليلة وليلة كتابًا ملك عليه لبه ولا سيما قصة رجل كان عليه أن يجد عذراء بكرًا كاملة الإحصان، وأنه كلما أصابت الشمس نافذة الدار كان يمسك به ويقرأ وهو يتشرق وأن أباه فطن لكتبه هذه يومًا فأحرقها وأنه حينئذ صار أمرأ تغلب عليه أحلام الخيال ولا يميل إلى ما هو من باب الحركة ونشاط الأجسام.
هذا ومهما يكن من أمر ثقافة كلردج واطلاعه فلا تستبعدن أن تكون حجة ابن الباقلاني وأقوال متكلمي المسلمين في الإعجاز القرآني قد بلغته من طريق درسه وتجربته واتصاله بالأدباء والعلماء في شتى الأقطار ممن يكون قد ترحل وحذق أصناف اللغات وقرأ أصناف الكتب. وقد كان ما ترجم الأوروبيون من تصانيف الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام كثيرًا. «فمن ذلك ترجمة وليم بدويل William Bedwell (١٥٦١ - ١٦٣٢ م) لمعاني القرآن وكان مستشرقًا وذكره الزركلي في أعلامه، الطبعة الثالثة ٩ ص ٢٢٥». وقد كان القرن الثامن عشر الميلادي قوي الاتصال من رجالات الفكر الأوروبي بالشرق كثيرًا أخذهم من علومه وآدابه وقد تجد الإفرنج أميل لأن يذكروا في باب الدين البراهمة ونحوهم من أن يذكروا الإسلام، وكثيرًا ما يقع هذا ونحوه في كلامهم كموقع الرمز له والكناية عنه. من هذا، الذي نسبه كلردج إلى البراهمة، فبعضه كما لا يخفى من أقوال المتصوفة والزهاد في الفناء وما أشبه، وهؤلاء أقرب لأن يكون أخذ عنهم من أن يكون قد أخذ عن البراهمة، إذ عهد اتصال حضارة أوروبا بأسباب حضارة المسلمين أقرب من زمان قوة ارتباط بريطانية بالهند وإنما كانت أوائل ذلك في القرن الثامن عشر نفسه وكانت قوته من بعد.
وإنما جرنا إلى إطالة هذا الفصل ما نراه من فتنة بأمر التفرقة بين القصيدة