وكان ذلك أيام أوائل دعوة الإسلام بمكة فذكروا ان عثمان بن مظعون رضي الله عنه قال له: صدقت عند صدر البيت. وقال له كذبت عند عجز البيت، وذلك أن نعيم الجنة لا يزول. وقد يجيء الشاعر بالعبارة الصادقة، أو الكاذبة ولا يكون هو بالضرورة من حيث جانبه الخلقي صادقًا أو كاذبًا. فلبيد جاء بعبارة كذب من حيث تعميمه الزوال على كل نعيم، واعتقاده صحة ما قاله يدل على أنه لم يكن في نفسه كاذبًا ولذلك عظم إنكاره ما جبهه به الصحابي الجليل. ويجوز أن تجيء العبارة الصادقة من غير صادق بها. وقد أدخل المعري الحطيئة في جنة غفرانه بقوله:
أبت شفتاي اليوم ألا تكلما ... بهجرٍ فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجهًا شوه الله خلقه ... فقبح من وجه وقبح حامله
ولم يدخله بقوله:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
لأنه، كما زعم، سبقه إلى معناه الصالحون ونظمه هو ولم يعمل به. تفصح به تفصحًا من غير إخلاص.