المفضليات وترجم له ابن الأنباري في أول السابعة وهي أيضًا له. وقال في شرح هذا البيت:«يقول يأبى لي سني وتجربتي أن أنقاد لأمر أو أسمع لقائل والمعنى يأبى لي سني أن أعطي شيئًا على استكراه وتغلبٍ علي بل أعطي عن إرادةٍ مني ومحبة، يأبى لي سني أن أعطي عن ضربٍ وأدبٍ». أ. هـ.
ظلت كلمة الأدب بمعنى الخلق والسلوك دائرة في الاستعمال منذ زمان الجاهلية إلى زماننا هذا في الدارجة كما في الفصيحة. وقد تعلم، أكرمك الله، تسمية ابن المقفع رسالتين له «الدب الكبير» و «الأدب الصغير» وللبخاري رضي الله عنه مجموعة «الأدب المفرد» ولفظ الأدب فيها راجع إلى هذا المعنى. وقول طرفة:
نحن في المشتاة ندعو الجفلي ... لا ترى الأدب فينا ينتقر
كأنه راجعٌ إلى هذا المعنى وهو حسن السلوك؛ لأن الدعوة إلى الطعام من المحامد والمدعوون يلتزمون حسن الأدب كما قال الشنفري في البيت الذي قاد إلى هذا الاستطراد وهو قوله:
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل
فعلى هذا يكون الأدب بالتحريك أصلًا والأدب بسكون الدال فرعٌ. أرى أن المأدبة سميت بذلك لأن الناس داعين ومدعوين مما كانوا يتأدبون عندها. وقول ابن منظور في اللسان أنه سمي الأدب «أدبًا لأنه يدعو الناس إلى المحامد وينهاهم عن المقابح» أدخل في باب الدفاع عن الأدب والاعتذار له منه في باب تبيين أصل اشتقاقه في اول الأمر. واحسب أن الدكتور طه حسين رحمه الله قد ذكر في بعض ما كتب أن «نيليئو» جعل أصل الأدب من الدأب. وحروف دأب وأدب وبدأ متقاربة تدل على متقارب في المدلول- هذا لا يخفى. ولكن كلمة الأدب والتأديب الدالة على السلوك قديمة وحسبك شاهدًا قول الجميع. ولغة الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: «أدبني ربي