فأحسن تأديبي» إنما خاطب قومًا معلومًا لديهم معنى الأدب والتأديب في هذا السياق. والغالب على كثير من أهل العصر الباحثين في باب الأدب الرجوع في معرفة أصول الكلمات إلى اللسان وبعض المعاجم وهم في هذا متبعون لمنهج المستشرقين وهؤلاء لهم عذرهم في هذا المنهج، لعجمتهم عن العربية وتعلم أكثر من تعلمها منهم على كبر. وأصول الكلمات أوثق فيها الشراح والمفسرون والعلماء الأولون من المعجمات الدائرة في الاستعمال الآن وأكثرها متأخر العهد.
لفظ الأدب بمعناه المعروف الآن الدال على الشعر والنثر وما أشبه وثيق الصلة بمعناه الدال على السلوك والتأديب كما قدمنا. ولذلك فهو قديم في الاستعمال وكانوا ربما قالوا للأديب نحوي كما في قوله رؤبة:
تنح للعجوز عن طريقها ... إذا أتت قادمةً من سوقها
دعها فما النحوي من صديقها
وقال أبو تمام:
أو يفترق نسب يؤلف بيننا ... أدب أقمناه مقام الوالد
وقال:
كل شعب كنتم به آل وهب ... فهو شعبي وشعب كل أديب
وقال:
نرمي بأشباحنا إلى ملك ... نأخذ من ماله ومن أدبه
فهذا يدل على أن كلمة الأدب والأديب قد رسخت رسوخًا في زمانه.
وقال أبو الطيب:
فسرت نحوك لا ألوى على أحدٍ ... أحث راحلتي الفقر والأدبا