للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي به علم وبما لن يوح إلى ربه أن آمركم به. ووصف الله سبحانه وتعالى أهل الجاهلية بعد الذي جاءهم من البينات فأبوه وإن كانوا كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات] فوصفهم جل شأنه بأنهم لا يعلمون، قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ}. «أي كفار قريش قالوا مثل قول اليهود والنصارى. وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ} وهؤلاء كفار قريش.

ونفي العلم هو إثبات للجهل وقد وصف الله سبحانه وتعالى أممًا سابقة جاءتهم رسلهم بالبينات والحكمة فأبوا بأنهم أهل جهالة كما وصف سبحانه وتعالى قريشًا بذلك. قال تعالى: {وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} وخاطب لوط قومه قال: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}. وقال: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} - والرشد علم كما قال تعالى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}. وفي حديث نوح عليه السلام وخبره مع قومه: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ} ثم يقول من بعد لقومه: {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}. أسلوب القرآن بليغ مؤثر، ينفي اللفظ إذا كان ذلك أبلغ وأقوى دلالة كما في قوله تعالى {يَعْلَمُونَ} {لَا يَعْلَمُونَ} وفي سورة الروم: {لَا يَعْلَمُونَ، يَعْلَمُونَ} وكما في سورة الطور: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} ويجيء اللفظ المقابل إذا كان ذلك أقوى وأدل وأبلغ مثل {عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} [سورة هود] ويقابله {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [سورة النمل]. و {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} يقابله {أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} الصبر يقابله الجزع. {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} - ظن الجاهلية يقابل الحق، أي يظنون ظن أهل الجهالة من الكفار، الظن الذي هو باطل.

وصفهم الله عز وجل بأنهم جهلاء وجاهلية لأن العلم النافع هو معرفة الله

<<  <  ج: ص:  >  >>