والأبيات معروفة وتلذذ الشاعر فيها بالغزل والفوز بالوصل وحكاية ذلك مخالط لتلذذه بالترنم. الإمتاعان متداخلان متقابلان، كأن كلًّا منهما مع مخالطته الآخر تحسه أنت متميزًا بنفسه على انفراج. ويشبه هذا، أو يمكن تشبيهه بما يسميه منشدو المديح النبوي عندنا بالتبطين، وهو أن يبدأ منشد بيتًا ويبدأ آخر نفس البيت بعد قليل، فيتساوق الصوتان متداخلين متمايزين مع انسجام فيهما.
وقصيدة عنترة:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
شاعرنا جادٌ في الدفاع عن نفسه ليس قصده إلى إمتاعك وإمتاع نفسه بترنم صافٍ كل ما يقوله ذائب فيه كلبيد، ولكن إلى إراحة نفسه وتبرير مواقفها والدفاع عنها- فالترنم منه مساوقٌ للتعبير «مبطنٌ» له (على حد تعبير أهل النشيد) منسجم معه، وكأن فيه مدامع طربه وحزنه معًا، والصوت جهير- كقوله مثلًا:
ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى ... إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
في حومة الحرب التي لا تشتكي ... غمراتها الأبطال غير تغمغم
إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي
يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئرٍ في لبان الأدهم
ما زلت أرميهم بثغرة نحره ... ولبانه حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إلي بعبرةٍ وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي