زعم بعضهم أن عنترة كان ممن خام ثم أقدم محتجين بقوله «ولكني تضايق مقدمي». ولو كان عنترة ممن يخيم لم تكن الأقاصيص لتجعله أبا الفوارس والجلي الظاهر أنه أقدم على علم بالحرب، وأن هؤلاء الذين معه كانوا يعتمدون على إقدامه ويقتدون به ويحثونه عليه متحمسين معجبين- هناك فقط كانوا يعرفون مكان غنائه ولذلك قال:
ولقد شفا نفسي وأذهب سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
وقدم ابن الأنباري كلمة عنترة على لبيد وعمرو بن كلثوم. وذكر ابن رشيق أن أبا عبيدة والمفضل كانا يخرجانها هي وهمزية الحارث من السبع ويجعلان مكانهما الأعشى والنابغة والمشهور خلاف ذلك والكلمتان أفحل وأوفى من كلمتي النابغة والأعشى على جودة هذين.
ومن الشعر ما يكون الترنم والفرح أو الطرب به فرعًا أو مقصودًا به إلى التسلي وإراحة الشاعر ضمير نفسه على نحو ما قاله ذو الرمة في طلب الشفاء من هذا الوجه حيث قال:
خليلي عوجا من صدور الرواحل ... بجمهور حزوى فابكيا في المنازل
لعل انهمال الدمع يعقب راحةً ... من الوجد أو يشفي نجي البلابل
ولا أحسب أن القارئ الكريم سيلتبس عليه أمر هذا الذي نتحدث عنه هنا من الإمتاع والتسلي والاشتفاء بالنغم بأمر ما تحدثنا عنه من قبل من أمر التعبير الكنين «بالموسيقا» الذي هو أصلٌ مع التعبير بالبيان الذي هو أيضًا أصل. الترنم هنا نعني به الإنشاد الذي ينشده الشاعر لنفسه ولك بصوته الجهير- على أن هذا شيء مقدر، نقدره نحن على فرض أن الشاعر فعلًا ينشدنا وعلى فرض أننا نسمع وننشد معه فالترنم هنا تابعه للتعبيرين البياني والإيقاعي بعد أن تما واكتملا نابعٌ منهما.