وكل شعر يكون منهم ترنمه عامدًا إلى إراحة النفس وشفائها، على حد تعبير ذي الرمة واصله قول امرئ القيس الذي تنقصه ابن الباقلاني ظلمًا وتجنيًّا:
وإن شفائي عبرةٌ مهراقةٌ .... فهل عند رسمٍ دارسٍ من معول
فالأغلب عليه قصد الحكمة، وإن يك فيه الغزل والوصف، وعلى ذلك مجرى لامية امرئ القيس- والحكمة فيها أن الكلام مسوق على وجه الذكرى والعظة والتفكر في مأساة الحياة.
ومما يدل على خطأ الذين قطعوا بأن القصيدة الحقة المراد بها أول من كل شيء الإمتاع -وهذا مذهب كلردج وبناه على مقالة أرسطو طاليس في شعر يونان في بعض ما بناه عليه- أن كثيرًا من جياد القصائد القصد الأول منها العظة ظاهرة أو مستكنة -كمعلقة زهير ودالية الأسود بن يعفر التي فيها يقول:
ماذا أؤمل بعد آل محرقٍ ... تركوا منازلهم وبعد إياد
أهل الخورنق والسدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشرفات من سنداد
أرضًا تخيرها لدار أبيهم ... كعب بن مامة وابن أم دؤاد
جرت الرياح على مكان ديارهم ... فكأنما كانوا على ميعاد
ولقد رأيت كيف أخرج كلردج «أشعيا» من أن يكون مقصودًا به الإمتاع فجعله لقدسيته شعرًا لا منظومة -وهذه مغالطة، على ما ذكرناه من أن مراده من الشعر الإبداع دون الإيقاع والنظم. وكان الأولى به ألا يدخل كلام أشعيا في مدخل الأدب المراد به محض الإمتاع إذ هو من كلام أنبياء بني إسرائيل.
وأيضًا مما يدخل في نطاق الخطأ القطع بأن النظم التعليمي لا يدخل في مدلول الشعر. وهذا بعضه من مذهب كلردج حيث جزم بأن ما لا يراد به الإمتاع أصلًا فليس بقصيدة (أو منظومة) حقة. وبعضه من مذهب أرسطو طاليس حيث